المرحلة التحليلية
1) منطق العلاقة بين القسمين:
رأينا في القسم الأول أن منطق الفردية هو المتحكم و تنتهي نتائجه إلى السلبية إذ يفشل الحمدوني في استرجاع أرضه بالقانون و يشبهه في ذلك المذكوري الذي أصيب بالجنون، و في مقابل ذلك نستخلص تركيز القسم الثاني على العمل الجماعي و الانتقال بالنضال من القوة إلى الفعل يقود الحمدوني الحدث فيتصدى للمستعمر. أما المرحلة الثانية فتبدأ بصفية من خلال العمل ثم تنخرط المرأة في المقاومة إلى جانب الرجل.
إن خضوع الريح الشتوية لهذا التقسيم يعكس في الحقيقة رؤية معينة لمفهوم المقاومة و النضال و كأن الكاتب أراد الاعتراض في القسم الأول على الطريقة التي سلكها الحمدوني فضمن القسم الثاني طـريقة جديدة أكثر فعالية هي العمل الجماعي بمعنـى آخر هنـاك قطيعة مع أسلـوب الحمـدوني و الاستمرارية في النضال بأساليب جديدة و يمكن أن ندرك هذه الوضعية من خلال مكونين تقوم الرواية عليهما:
أ- مبدأ الاستمرار:
و يقصد بذلك استمرار المواجهة بين المجتمع و الاستعمار، فاحتد الصـراع من أجل التحرر و إثبات الهوية، و يعني ذلك أن الرواية لا تقوم على البناء الحلقي حيث تخلق الأحداث بمجرد انتهائها كأنها مرتبطة بحياة رجلان بل اتجهت الرواية عند القسم الأول لمثلت هذا الخنوع، و بهذا كانت الرواية تعتمد البناء بالمراقي، فالأحداث بقيت مفتوحة لم تقف عند موت الحمدوني إذ أن هذا الأخير ترك وراءه مشكلة الأرض و الأبناء.
ب- مبدأ التحول:
و نعني بذلك غياب الاستمرارية في أسلوب المواجهة أو في طريقتها حيث اعتمد أسلوبا مغايرا يقوم على التكتل الجماعي
تم إلغاؤها و تحويلها من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي و هو ما يتمظهر بصفة عامة في الحركة الوطنية و ظهور التنظيم النقابي و الطبقة العمالية، و لفهم هذه المسألة نقدم التوضيح التالي:
- مات الحمدوني و برزت زوجته كطرف يدخل الصراع في إثبات الذات من خلال العمل أي برؤية مغايرة.
- مات الحمدوني و ظهر كبور مقاوما من طينة جديدة لا يدافع عن قضية شخصية و لكن عن وطن بأكمله في إطار التنظيم العمالي يتعرض للسجن و النفي و تسير زوجته في المسار العام لهذا التحرر.
- مات الحمدوني و عوض بالعالم و السي عبد الفتاح كأشكال نضالية تحمل رؤيا واضحة المعاني، و معنى ذلك كله أن وعيا جديدا حل محل الوعي السائد من قبل
) القضايا المطروحة في المؤلف:
أ- قضية الأرض:
الأرض في رؤية الريح الشتوية محور العمل الروائي، فالاستيلاء عليها من طرف المحتل هو الذي كان وراء هجرة العربي الحمدوني إلى المدينة، و سعيه المتواصل لاسترجاعها هو ما مثل المبرر الموضوعي لنزوح المذكوري، فكلاهما ينظر إلى الأرض نظرة خاصة.
تحضر الأرض في العمل الروائي من خلال صورتين:
- صورة خاصة: يحكمها إحساس ذاتي فردي بالامتلاك و هو ما نجده عند كل من العربي الحمدوني و المذكوري، فنظرتهما إلى الأرض نظرة ضيقة لا تتجاوز ما سلبه منهما المستعمر، سعى كل واحد منهما لاسترجاع الأرض لكن وقف عند حدود أفق مسدود. فكلاهما لجأ إلى خيار القوة في المرحلة الأولى و كلاهما إلى خيار القانون في المرحلة الثانية لكـن الأول يموت غـريبا عن أرضه و يجن الثاني و لم ينفذ حكم المحكمة.
و الأرض بالنسبة إليهما تمثل الوجود و تمثل مبرر البقاء، و هي كذلك كيـان ينبض بالحياة، و هي فوق كل هذا و ذاك قيمة تنقلت من أسر مادي، لذلك فإن العربي الحمدوني يرفض التعويض المقترح عليه مقابل أرضه و إن كان مغريا.
- صـورة عامة: يحكمها إحسـاس جماعـي لأن ما ضاع هو أوسـع من أرض العـربـي و المذكوري، إنها أرض الوطن و هو المفهوم الذي نبه إليه المحامي موهوب حينما تحدث عن أرض أوسع و أشمل و هو ما سعى العالم و عبد الفتاح و كبور و غيرهم من الوطنيين الذين كان لهم أمل كبير في تحريره و استرجاعه عبر قناة العمل السياسي.
ب- قضية الاستعمار و مظاهر اضطهاده و استغلاله:
تقدم رواية الريح الشتوية صورا مختلفة للممارسة الاستعمارية التي طبعت الاحتلال الفرنسي بالمغرب، و يمكن إجمال هذه المظاهر فيما يلي:
- مصادرة الأراضي الفلاحية و ذلك بالإكراه أو الحيلة أو التزوير.
- إلحاق كثير من المغاربة بصفوف الجيش الفرنسي قصد الدفاع عن المصالح الفرنسية في بقاع العالم.
- فرنسة التعليم بالمغرب و إخضاعه لمناهج التعليم الفرنسي و برامجه.
- الموقف من العمل النقابي، و كان ذلك من خلال طرد العمال أو شق صفوفهم لإحداث التفرقة أو بمنع العمل النقابي، و ربطه بالعمل النقابي الفرنسي.
- انتهاج سياسة التفرقة و تمثل ذلك في سعي الفرنسيين إلى ترحيل سكان الكاريان إلى جهات مختلفة سيدي مومن، ضواحي المحمدية.
- إضرام النار تخويفا و إرهابا و دفعا بالسكان لقبول الإقامة العامة.
- اعتقال الوطنيين و نفيهم (نفي كبور و رفاقه إلى الصحراء).
- تشويه صورة العمل الـوطني من خـلال تشويه صورة الوطنيين، فهم مجرمون و مفسدون و مشاغبون ينشرون الرعب و الفوضى.
- الإبادة الجماعية و القتل.
ت- تجليات العمل الوطني و صوره في رواية الريح الشتوية:
شهدت ساحة العمل الوطني مشاركة فئات مختلفة من أبناء الوطن و تنوعت تجلياته في الرواية لتتخذ صورا و مظاهر مختلفة كان أبرزها ما يلي:
- إنشاء مدرسة الحي التي مثلت فضاءا تمت فيه تربية النشئ تربية وطنية، كان من نتائجها محاولات جلول ولد حدوم قتل عمارة البياع و قبله كتابة ابن صفية المناشير بإيعاز من عباس كما مثلت بديلا وطنيا لما سعى المستعمر لإقامته من مدارس.
- اللجوء إلى العمل الجماعي المنظم لتأطير الفعل النقابي و الاستعماري قصد مـواجهة المحتل و هو ما استدعى إبداع أشكال نضالية مختلفة مثل كتابة المناشير و عقد الاجتماعات.
- إعادة تفعيل الدين في نفوس المغاربة يمثل منطلق المـواجهة ضد الاستعمـار (دور العـالم و السي عبد الفتاح).
- تقليص كمية الإنتاج بالمعمل وسيلة من وسائل الضغط و شكل من أشكال المقاومة.
- التضامن الاجتماعي مع كل من لحقه ظلم المحتل من طرد أو إحراق.
- تنظيم حراسة ليلية تطوعية قصد إفشال أية عملية إحراق.
ث- عوائق العمل الوطني في الرواية:
قد اعترضت العمل الوطني عوائق عدة مثل الاستعمار بقواه و وسائله و إمكانياته العائق الموضوعي فيها أما العوائق الذاتية الأخرى فيمكن إجمالها فيما يلي:
- الانهزامية و الخوف و التردد و هي سمات طبعت سلوك كثير من الأفراد.
- الخيانة: و قد جسد السلوك في الروايةبجسد سعيد أخو صفية الذي تحول من مقاوم في قريته إلى عنصر بياع و هو سلوك لم سثر الكبار بل أثار حتى الصغار الذين نعتوه و لقبوه راس الغول و عمارة البياع التي أحرقته حدوم زوجة بن الصغير بعدما قتل ابنها جلول.
- الفردية في التعامل مع القضايا يعكس ذلك سعي كل من العربي الحمدوني و المذكوري في حركتهما من أجل استرجاع الأرض كما يعكسها موقف بعض العمال.