تحليل مؤلف الريح الشتوية / لمبارك ربيع
| القراءة التوجيهية | المرحلة التحليلية | المرحلة التركيبية |
القراءة التوجيهية
1) التعريف بالكاتب:
ولد مبارك ربيع سنة 1935 في قرية ابن معاشو بضواحي مدينة الدار البيضاء، درس بالمدارس الكبرى خلال المرحلة الابتدائية و الثانوية ثم انخرط في سلك التدريس الابتدائي و الثانوي، حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة و علم النفس سنة 1975 من كلية الآداب في الرباط، في موضوع "آثار الأسرة و المجتمع في تكوين عواطف الأطفال الذكور"، عين على إثرها أستاذا في نفس الكلية. حصل على شهادة دكتوراه الدولة حول موضوع "مخاوف الأطفال و علاقاتها بالوسط الاجتماعي"، أسندت إليه مهمة قيدوم بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن مسيك، له مجموعة من الأعمال الحكائية و الروائية نشير منها إلى "سيدنا قدر"، "دموع و دخان"، "الطيبـون"، "رفقة السـلاح و القمر".
2) التجربة القصصية:
كانت بدايات مبارك ربيع شأن كل البدايات استهلت بمحاولات شعرية يغلب عليها الطابع الرومنسي لتتبلور بعد ذلك.
تحملت صفية زوجة الحمدوني عبء تربية الأبناء فاضطرت هي الأخرى إلى العمل في معمل السردين مما سبب لها معاناة كثيرة شأنها في ذلك شأن كبور و رفاقه في الكفاح الذين ساهموا في بناء حركة عمالية استطاعت أن تحقق مكاسب هامة كبناء المدرسة على سبيل المثال.
و من البديهي أن تتربص السلطة الاستعمارية بالوطنيين و ستشغل أعوانها و تسند إليهم القيام بالتشويش على نشاط الوطن أمثال: سعيد، عمارة البياع و أسفرت المواجهة على سجن كبور و غيره ثم نفيه إلى الصحراء، فاضطرت زوجته هي الأخرى إلى العمل في معمل السردين.
و إذا كان القسم الأول يعكس مواجهة فردية (الحمدوني و المستعمر) فإن القسم الثاني يشكل مواجهة جماعية من أجل التحرر و هو الاتجاه العام الذي يسجله رواية "الريح الشتوية".
المرحلة التحليلية
1) منطق العلاقة بين القسمين:
رأينا في القسم الأول أن منطق الفردية هو المتحكم و تنتهي نتائجه إلى السلبية إذ يفشل الحمدوني في استرجاع أرضه بالقانون و يشبهه في ذلك المذكوري الذي أصيب بالجنون، و في مقابل ذلك نستخلص تركيز القسم الثاني على العمل الجماعي و الانتقال بالنضال من القوة إلى الفعل يقود الحمدوني الحدث فيتصدى للمستعمر. أما المرحلة الثانية فتبدأ بصفية من خلال العمل ثم تنخرط المرأة في المقاومة إلى جانب الرجل.
إن خضوع الريح الشتوية لهذا التقسيم يعكس في الحقيقة رؤية معينة لمفهوم المقاومة و النضال و كأن الكاتب أراد الاعتراض في القسم الأول على الطريقة التي سلكها الحمدوني فضمن القسم الثاني طـريقة جديدة أكثر فعالية هي العمل الجماعي بمعنـى آخر هنـاك قطيعة مع أسلـوب الحمـدوني و الاستمرارية في النضال بأساليب جديدة و يمكن أن ندرك هذه الوضعية من خلال مكونين تقوم الرواية عليهما:
أ- مبدأ الاستمرار:
و يقصد بذلك استمرار المواجهة بين المجتمع و الاستعمار، فاحتد الصـراع من أجل التحرر و إثبات الهوية، و يعني ذلك أن الرواية لا تقوم على البناء الحلقي حيث تخلق الأحداث بمجرد انتهائها كأنها مرتبطة بحياة رجلان بل اتجهت الرواية عند القسم الأول لمثلت هذا الخنوع، و بهذا كانت الرواية تعتمد البناء بالمراقي، فالأحداث بقيت مفتوحة لم تقف عند موت الحمدوني إذ أن هذا الأخير ترك وراءه مشكلة الأرض و الأبناء.
ب- مبدأ التحول:
و نعني بذلك غياب الاستمرارية في أسلوب المواجهة أو في طريقتها حيث اعتمد أسلوبا مغايرا يقوم على التكتل الجماعي
تم إلغاؤها و تحويلها من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي و هو ما يتمظهر بصفة عامة في الحركة الوطنية و ظهور التنظيم النقابي و الطبقة العمالية، و لفهم هذه المسألة نقدم التوضيح التالي:
- مات الحمدوني و برزت زوجته كطرف يدخل الصراع في إثبات الذات من خلال العمل أي برؤية مغايرة.
- مات الحمدوني و ظهر كبور مقاوما من طينة جديدة لا يدافع عن قضية شخصية و لكن عن وطن بأكمله في إطار التنظيم العمالي يتعرض للسجن و النفي و تسير زوجته في المسار العام لهذا التحرر.
- مات الحمدوني و عوض بالعالم و السي عبد الفتاح كأشكال نضالية تحمل رؤيا واضحة المعاني، و معنى ذلك كله أن وعيا جديدا حل محل الوعي السائد من قبل.
2) القضايا المطروحة في المؤلف:
أ- قضية الأرض:
الأرض في رؤية الريح الشتوية محور العمل الروائي، فالاستيلاء عليها من طرف المحتل هو الذي كان وراء هجرة العربي الحمدوني إلى المدينة، و سعيه المتواصل لاسترجاعها هو ما مثل المبرر الموضوعي لنزوح المذكوري، فكلاهما ينظر إلى الأرض نظرة خاصة.
تحضر الأرض في العمل الروائي من خلال صورتين:
- صورة خاصة: يحكمها إحساس ذاتي فردي بالامتلاك و هو ما نجده عند كل من العربي الحمدوني و المذكوري، فنظرتهما إلى الأرض نظرة ضيقة لا تتجاوز ما سلبه منهما المستعمر، سعى كل واحد منهما لاسترجاع الأرض لكن وقف عند حدود أفق مسدود. فكلاهما لجأ إلى خيار القوة في المرحلة الأولى و كلاهما إلى خيار القانون في المرحلة الثانية لكـن الأول يموت غـريبا عن أرضه و يجن الثاني و لم ينفذ حكم المحكمة.
و الأرض بالنسبة إليهما تمثل الوجود و تمثل مبرر البقاء، و هي كذلك كيـان ينبض بالحياة، و هي فوق كل هذا و ذاك قيمة تنقلت من أسر مادي، لذلك فإن العربي الحمدوني يرفض التعويض المقترح عليه مقابل أرضه و إن كان مغريا.
- صـورة عامة: يحكمها إحسـاس جماعـي لأن ما ضاع هو أوسـع من أرض العـربـي و المذكوري، إنها أرض الوطن و هو المفهوم الذي نبه إليه المحامي موهوب حينما تحدث عن أرض أوسع و أشمل و هو ما سعى العالم و عبد الفتاح و كبور و غيرهم من الوطنيين الذين كان لهم أمل كبير في تحريره و استرجاعه عبر قناة العمل السياسي.
ب- قضية الاستعمار و مظاهر اضطهاده و استغلاله:
تقدم رواية الريح الشتوية صورا مختلفة للممارسة الاستعمارية التي طبعت الاحتلال الفرنسي بالمغرب، و يمكن إجمال هذه المظاهر فيما يلي:
- مصادرة الأراضي الفلاحية و ذلك بالإكراه أو الحيلة أو التزوير.
- إلحاق كثير من المغاربة بصفوف الجيش الفرنسي قصد الدفاع عن المصالح الفرنسية في بقاع العالم.
- فرنسة التعليم بالمغرب و إخضاعه لمناهج التعليم الفرنسي و برامجه.
- الموقف من العمل النقابي، و كان ذلك من خلال طرد العمال أو شق صفوفهم لإحداث التفرقة أو بمنع العمل النقابي، و ربطه بالعمل النقابي الفرنسي.
- انتهاج سياسة التفرقة و تمثل ذلك في سعي الفرنسيين إلى ترحيل سكان الكاريان إلى جهات مختلفة سيدي مومن، ضواحي المحمدية.
- إضرام النار تخويفا و إرهابا و دفعا بالسكان لقبول الإقامة العامة.
- اعتقال الوطنيين و نفيهم (نفي كبور و رفاقه إلى الصحراء).
- تشويه صورة العمل الـوطني من خـلال تشويه صورة الوطنيين، فهم مجرمون و مفسدون و مشاغبون ينشرون الرعب و الفوضى.
- الإبادة الجماعية و القتل.
ت- تجليات العمل الوطني و صوره في رواية الريح الشتوية:
شهدت ساحة العمل الوطني مشاركة فئات مختلفة من أبناء الوطن و تنوعت تجلياته في الرواية لتتخذ صورا و مظاهر مختلفة كان أبرزها ما يلي:
- إنشاء مدرسة الحي التي مثلت فضاءا تمت فيه تربية النشئ تربية وطنية، كان من نتائجها محاولات جلول ولد حدوم قتل عمارة البياع و قبله كتابة ابن صفية المناشير بإيعاز من عباس كما مثلت بديلا وطنيا لما سعى المستعمر لإقامته من مدارس.
- اللجوء إلى العمل الجماعي المنظم لتأطير الفعل النقابي و الاستعماري قصد مـواجهة المحتل و هو ما استدعى إبداع أشكال نضالية مختلفة مثل كتابة المناشير و عقد الاجتماعات.
- إعادة تفعيل الدين في نفوس المغاربة يمثل منطلق المـواجهة ضد الاستعمـار (دور العـالم و السي عبد الفتاح).
- تقليص كمية الإنتاج بالمعمل وسيلة من وسائل الضغط و شكل من أشكال المقاومة.
- التضامن الاجتماعي مع كل من لحقه ظلم المحتل من طرد أو إحراق.
- تنظيم حراسة ليلية تطوعية قصد إفشال أية عملية إحراق.
ث- عوائق العمل الوطني في الرواية:
قد اعترضت العمل الوطني عوائق عدة مثل الاستعمار بقواه و وسائله و إمكانياته العائق الموضوعي فيها أما العوائق الذاتية الأخرى فيمكن إجمالها فيما يلي:
- الانهزامية و الخوف و التردد و هي سمات طبعت سلوك كثير من الأفراد.
- الخيانة: و قد جسد السلوك في الروايةبجسد سعيد أخو صفية الذي تحول من مقاوم في قريته إلى عنصر بياع و هو سلوك لم سثر الكبار بل أثار حتى الصغار الذين نعتوه و لقبوه راس الغول و عمارة البياع التي أحرقته حدوم زوجة بن الصغير بعدما قتل ابنها جلول.
- الفردية في التعامل مع القضايا يعكس ذلك سعي كل من العربي الحمدوني و المذكوري في حركتهما من أجل استرجاع الأرض كما يعكسها موقف بعض العمال.
ج- الوعي الوطني و الديني في الرواية:
إن المرجعية الوحيدة التي تقدمها الرواية مؤطرة بالفعل الوطني المقاوم للاحتلال الفرنسي هي المرجعية الإسلامية عمل على تجاية معالمها و إبراز حضورها في الوعي و السلـوك كـل من العالم و السي عبد الفتاح، العالم كان يظهر عمله من خلال الحلقة و المسجد و لقاءات البيوت عمل على جمع الناس و تحقيق التواصل بينهم و توحيد قوتهم و تنبيههم إلى ما يحاك ضد الوطن، و السي عبد الفتاح الذي أكمل ما بدأه العالم و فتح للوطنيين آفاق وعي جديد تمثل أساسا في المعمل من خلال تحريض العمال على الاضرابات و النقص في الإنتاج، كما تمثل في اتساع دائرة الحماس الوطني إلى الناشئة الذين أسهموا بدورهم تجاه الوطن بعدما احتضنتهم المدرسة و بذرت في نفوسهم الروح الوطنية.
ح- صورة المرأة في الريح الشتوية:
تقدم الرواية عدة النماذج النسائية تقرب من خلالها طبيعة حضور المرأة في مغرب الأربعينات، فمن صفية زوجة العربي إلى عائشة العرجاء و حدوم و الغالية. و غيرهن من النماذج النسـائية كشف من خـلالها مبارك ربيع عن أنماط من الشخصيات تباينت في مـواقعها و مـواقفها و اختلفت من حيث تفاعلها مع الأحداث و المواقف، و يمكن التمييز في هذه النماذج بين نموذجين أساسيين: