المغرب في مطلع القرن العشرين: الأوضاع الداخلية والإتجاه نحو فرض الحماية
مقدمة: أدى فشل سياسة الإصلاحات إلى استمرار تدهور الأوضاع الداخلية بالمغرب في عهد كل من مولاي عبد العزيز وأخيه مولاي عبد الحفيظ. وتزايدت أطماع الإمبريالية التي استطاعت تجاوز خلافاتها بعد عدة اتفاقيات. وتمكنت فرنسا واسبانيا من احتلال المغرب وفرض معاهدة الحماية في 1912.
سـاهمت أوضاع المـغرب المتدهورة في تـزايد أطـماع الدول الاستعـمارية.
1): تدهور الأوضاع الداخلية:
بعد وفاة الحسن الأول 1894 سيطر على السلطة الحاجب الملكي أحمد بن موسى (با حماد) باعتباره وصيا على العرش. وعين م.عبد العزيز وليا للعرش وعمره 14 سنة. وبعد وفاة (باحماد) 1900 أصبح م.عبد العزيز ملكا فعليا وعمره 20 سنة. واستغل الوسطاء الأجانب ضعف تجربته السياسية وميوله لمظاهر الحضارة الغربية، فأغرقوه بمستجدات التسلية، التي كلفت خزينة الدولة 30 مليون فرنك في أقل من 3 سنوات، مما ساهم في تأزم الأوضاع المالية.
واستغلت فرنسا عدم وضوح الحدود بين المغرب والجزائر فاحتلت توات وفيكيك. واعترف المخزن بذلك بتوقيع وزير الخارجية المغربي(عبد الكريم بن سليمان) على اتفاق باريس بشأن الحدود الشرقية. وقام م.عبد العزيز ببعض الإصلاحات بإيعاز من ابريطانيا التي تعارض التوغل الفرنسي في المغرب. وتمثلت الإصلاحات الإدارية في إحداث مجلس للوزراء(مجلس الجمع). وتمثلت الإصلاحات الجبائية في تطبيق ضريبة الترتيب في 1901 التي فشل الحسن الأول في تطبيقها، فحلت محل الضرائب الشرعية. لكنها وجدت مقاومة من طرف العلماء والمحميين والقواد والزوايا، مما أدى إلى فقدان خزينة الدولة لمداخيل الضرائب القديمة والجديدة ولمدة سنتين. والتجأ م.عبد العزيز إلى القروض الأجنبية بشروط قاسية حيث صرف أغلبها في تسديد الديون السابقة. وقبل وضع(لجنة الديون المغربية) المكونة من موظفين فرنسيين لمراقبة المداخيل الجمركية واستلام 60% منها. وصرف المخزن بعض القروض على الجيش قصد التمكن من إخماد الثورات التي تعرفها البلاد، وأخطرها ثورة الريسوني(زعيم زاوية ابن ريسون بتطوان) وثورةالجيلاني الزرهوني المعروف ب(بوحمارة أو الروكي) الذي سيطر على المغرب الشرقي وأصبح يهدد السلطة المركزية نتيجة المساعدات الفرنسية والاسبانية التي حصل عليها مقابل استغلال الدولتين لمناجم المنطقة. كل هذه الأوضاع شجعت الأوربيين على المزيد من الضغط على المغرب واحتدت المنافسة بينهم لاحتلاله.
2): التنافس الاستعماري الأوربي حول المغرب:
بلغ عدد الدول المتنافسة حول استعمار المغرب خمس دول: فرنسا، اسبانيا، انجلترا، ألمانيا، وإيطاليا. لكن فرنسا استطاعت إبعاد منافسيها والانفراد بالمغرب مع اسبانيا عقب مجموعة من المعاهدات الثنائية مع الدول المنافسة؛ ففي1902 عقدت فرنسا معاهدة مع إيطاليا، تخلت بموجبها عن مصالحها في ليبيا مقابل تخلي إيطاليا عن المغرب. وفي 1904 عقدت فرنسا(الاتفاق الودي) مع ابريطانيا التي تخلت عن تونس والمغرب مقابل تخلي فرنسا عن مصر. وعقدت فرنسا مع اسبانيا اتفاقيات حول النفوذ الاسباني بشمال المغرب وأقصى جنوبه. لكن ألمانيا ظهرت كمنافس جديد عرقل الخطة الفرنسية خاصة بعد زيارة غليوم الثاني لطنجة في 1905 وإعلانه استعداد ألمانيا للدفاع عن المغرب في حالة تعرضه لأي اعتداء أجنبي، فتعقدت المشكلة المغربية. ورفض المغرب مشروع الإصلاحات المقترحة من طرف فرنسا مطالبا بعقد مؤتمر دولي للبث فيها. وزادت المسألة المغربية تعقيدا عندما اختطف الريسوني رعايا أجانب مقيمين في طنجة ونواحيها، فأرسلت الولايات المتحدة وابريطانيا سفنها الحربية إلى السواحل المغربية، فاضطر م.عبد العزيز إلى تعيينه عاملا بأحواز طنجة حتى يتقي شره ويتفرغ لمواجهة ثورة بوحمارة. كل هذه الأحداث دفعت الدول الأوربية إلى عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء للنظر في المسألة المغربية.
أفــقد مؤتمر الجـزيرة الخضـراء المغرب سـيادتـه وقاده نحو الحـماية.
1): عمل المؤتمر على تزكية الخطة الفرنسية:
انعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء بجنوب اسبانيا في1906، حضرته الدوال المتنافسة (12 دولة ) إلى جانب المغرب. وقد زكى المؤتمر المعاهدات السابقة التي تدعم الموقف الفرنسي، حيث نصت قراراته على تشكيل شرطة الموانئ تحت قيادة فرنسية واسبانية، ومنع تجارة التهريب خاصة تهريب الأسلحة حتى لاتصل القبائل المعادية للاستعمار. كما قرر المؤتمر تأسيس(البنك المخزني المغربي) برأسمال أجنبي تقدم فرنسا ثلثه، ومنح حق الملكية العقارية للأجانب. هكذا شكل مؤتمر الجزيرة الخضراء بداية لوضع المغرب تحت السيطرة الأجنبية. وتعتبر فرنسا واسبانيا أكبر مستفيد من قراراته.
2): خلف مؤتمر الجزيرة الخضراء ردود فعل داخلية وخارجية:
من النتائج الداخلية: عزل م. عبد العزيز من طرف أهل مراكش ومبايعة أخيه م. عبد الحفيظ في1907 ثم بايعه أهل فاس في يناير1908. وحاول السطان الجديد معارضة قرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء، لكنه تعرض لتهديد الدول الأوربية التي قررت عدم اغترافها به إلا بعد اعترافه بتلك القرارات، مما أجبره على قبولها. وتمكن م.عبد الحفيظ من الحصول على قرض من فرنسا بمبلغ 104 مليون فرنك قصد مواجهة التدهور الداخلي، مما مكنه من القضاء على ثورتي بوحمارة والريسوني.
أما النتائج الخارجية، فقد اعتبرت فرنسا واسبانيا قرارات المؤتمر بمثابة الضوء الأخضر الذي يسمح لهما باستعمار المغرب، وشرعتا في السيطرة على بعض أجزائه. لكن ألمانيا عارضت ذلك واعتبرته خرقا لقرارات المؤتمر، وأرست سفينة حربية(بانتير) إلى ميناء أكادير وهددت بقنبلته والاستيلاء عليه، مما دفع فرنسا إلى التفاوض مع ألمانيا ومنحها جزء من الكنغو مقابل تخليها عن المغرب.
3): استمرار التوغل في المغرب واحتلاله رسميا في 1912:
بعد إبعاد ألمانيا، استمر التوسع الفرنسي والاسباني داخل المغرب حيث احتلت الجيوش الفرنسية مدينة وجدة والبيضاء والشاوية وجزء من دكالة في 1907. واحتلت اسبانيا الريف الشرقي في 1909 ثم الريف الغربي في1911، وواجهتها قبائل المنطقة بقيادة محمد أمزيان. وفي نفس السنة وصلت الجيوش الفرنسية إلى مكناس وأحواز فاس، مما اضطر السلطان م.عبد الحفيظ إلى التوقيع على معاهدة الحماية في 30 مارس 1912، بعدما ثارت ضده قبائل فاس ومكناس. ثم اتفقت فرنسا واسبانيا على تحديد مناطق النفوذ بينهما في 27 نونبر 1912، وبذلك أصبح احتلال المغرب رسميا.
خاتمة: سبب التدهور الداخلي للمغرب في استمرار التوغل الاستعماري الذي زكاه مؤتمر الجزيرة الخضراء. ورغم المنافسة الألمانية استطاعت فرنسا واسبانيا فرض سيطرتهما على المغرب.