مقدمة: البرازيل جمهورية فيدرالية، وهي أكبر دول أمريكا اللاتينية مساحة: أزيد من 8,5م كلم2، يمتد أغلبها في المنطقة الاستوائية والمدارية. ويبلغ عدد سكانها أزيد من 157,8 م.ن.، يتركز أغلبهم في السواحل. ورغم التطورات الاقتصادية التي عرفها هذا البلد وجعلته القوة الصناعية الثامنة في العالم، فإنه يعرف مشاكل اقتصادية واجتماعية، لعوامل مختلفة طبيعية وبشرية.
تعتبر الظروف الطبيعية والبشرية عائقا أمام تطور الاقتصاد البرازيلي.
1 ـ الظروف الطبيعية. سلبية في اغلب المناطق وخاصة المناخ والتربة بالنسبة للنشاط الفلاحي.
* التضاريس: منتظمة التوزيع وتنقسم إلى وحدتين كبيرتين هما: حوض الأمازون في الشمال، وهو سهل فيضي واسع. والهضبة البرازيلية الممتدة وسط البلاد على مساحة واسعة تظهر على ساحلها الشرقي سلاسل جبلية قليلة الارتفاع. وتشرف شرقا على سهول ساحلية ضيقة وأكثر ارتفاعا في الجنوب ( البامباس ). وفي أقصى الشمال يمتد شريط ضيق من هضبة غويانا.
* المناخ: يسود المناخ الاستوائي والمداري أغلب الأراضي البرازيلية؛ ففي حوض الأمازون وهضبة غويانا يسود المناخ الاستوائي حيث الحرارة والرطوبة الدائمتين مما ساعد على انتشار الغابة الكثيفة (غابة الأمازون )، يخترقها نهر الأمازون وروافده. وفي الهضبة البرازيلية يسود المناخ المداري وتنتشر السفانا. لكن مناطقها الشرقية تتلقى أمطارا غزيرة وتنتشر الغابة الساحلية، ماعدا الشمال الشرقي قليل الأمطار وتنتشر به السهوب. وفي المنطقة الجنوبية المناخ معتدل بسبب التيارات البحرية.
* التربة: فقيرة في أغلب المناطق، وذلك بسبب الرطوبة والحرارة المفرطتين أو الانجراف، باستثناء الجنوب والشمال الشرقي، مما أدى إلى قلة الأراضي الصالحة للزراعة %9 من مساحة البلاد.
2 ـ الظروف البشرية: أهمها النمو الديمغرافي والسياسة الاقتصادية المتبعة.
* النمو الديمغرافي: سكان البرازيل خليط من الأجناس: الهنود الحمر، السود، اليابانيون والأوربيون خاصة البرتغال الذين يشكلون الأغلبية. وتعرف البلاد نموا ديمغرافيا سريعا ( 17م.ن./في 1900 و 157,8م.ن. في 1995 ) وذلك بسبب التكاثر الطبيعي، مع العلم أن أزيد من40% من السكان تقل سنهم عن 20 سنة. ويتركز أغلب السكان في المناطق الساحلية 85% بسبب الظروف الطبيعية. وشجعت الدولة على الهجرة نحو المناطق الداخلية، واتخذت مدينة برازيليا عاصمة للبلاد. ونتيجة للهجرة القروية عرفت البلاد حركة سريعة للتمدين حيث بلغت نسبة سكان المدن 75%، مما سبب في انتشار البطالة وأحياء الصفيح.
* السياسة الاقتصادية: ظل اقتصاد البرازيل قبل الاستقلال في 1822، وبعده موجها لتلبية حاجيات الأسواق الخارجية؛ ففي القرن 17 اشتهر بإنتاج قصب السكر. وفي القرن 18 اشتهر بإنتاج الذهب. وفي أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 اشتهر بإنتاج المطاط. وأخيرا اشتهر بإنتاج البن رغم الخسارة التي لحقته خلال أزمة 1929 الاقتصادية. هكذا تحكمت الظروف التاريخية في توجيه الإنتاج الفلاحي نحو التسويق.
وفي السنوات الأخيرة نهجت الدولة سياسة اقتصادية تتوخى الاهتمام بالصناعة لتقليص الواردات من المواد المصنعة، فتطورت بعض الصناعات وتجاوزت نسبة النمو 10% ما بين 1956- 1962. لكن الانتعاش الاقتصادي واجه بعض المشاكل كالزيادة في صادرات المواد الخام لتمويل الإنطلاقة الصناعية، واللجوء للقروض الخارجية، مع العلم أن القدرة الشرائية ضعيفة لضعف مستوى عيش السكان. وخلال الفترة الممتدة ما بين 1964 و1974، شجعت الدولة على تصدير المنتجات الفلاحية والصناعية، وعلى استقرار الشركات المتعددة الجنسية في البلاد، موفرة لها الحماية الجمركية. وحققت البرازيل انتعاشا اقتصاديا ما بين 1967 – 1974 عرف بالمعجزة البرازيلية. لكنه اصطدم بارتفاع المديونية ونسبة التضخم المالي وتعمق المشاكل الاجتماعية، فاضطرت الدولة إلى خوصصة المؤسسات العمومية وتخفيض الحماية الجمركية.
تعتبر البرازيل من الدول النامية رغم أهمية قطاعاتها الاقتصادية
1 ـ الفلاحة: هي أساس الاقتصاد البرازيلي، تشغل %30 من السكان النشيطين، وتساهم بنسبة 11% في الناتج الوطني الخام. لكن الإنتاج الفلاحي موجه للتسويق، حيث تمثل الصادرات الفلاحية ما بين 5% و6% من الصادرات العالمية، في حين المنتجات المعاشية لا تكفي حاجيات السكان. ويرجع ذلك إلى سيطرة فئة قليلة من سكان البادية على الأراضي الصالحة للفلاحة. وأغلب الضيعات صغيرة تستغل بشكل تقليدي وإنتاجها معيشي، أما الاستغلاليات الكبيرة فتمارس زراعة إما واسعة أو كثيفة معتمدة على المكننة واليد العاملة الأجيرة وتتخصص في الإنتاج التسويقي.
أ ) الإنتاج الزراعي: يتميز بسيطرة المنتجات التسويقية وأهمها البن (م1ع). انتشرت زراعته في ولاية ساووباولو لملائمة الظروف الطبيعية، وساهمت في تطوير مدينة ساووباولو وميناء سانتوس للتصدير. أما المنتجات المعيشية فغير كافية لسد حاجيات السكان، وأهمها الذرة 32م.طن، القمح 2,3م.طن، الأرز 10,6م.طن، إضافة إلى الخضر والفواكه والمانيوك(م1ع).
ب ) الإنتاج الحيواني: تربى المواشي بطرق تقليدية ما عدا في الجنوب حيث توجد مراعي اصطناعية مخصصة للأبقار الحلوب. ورغم ارتفاع عدد المواشي: الأبقار 151م.رأس والأغنام 21م.رأس، فإنها لا تكفي الحاجيات. ومع ضعف القدرة الشرائية وانخفاض الاستهلاك الداخلي، بدا تصدير اللحوم.
2 ـ الصناعة: تشغل حوالي 24 % من اليد العاملة النشيطة وتساهم ب38% في الناتج الوطني، معتمدة على المعادن المتوفرة والرأسمال الأجنبي، رغم قلة مصادر الطاقة.
* المعادن ومصادر الطاقة: أغلب المعادن توجد في ولاية ميناس جيريس (المناجم العامة). أهمها الحديد100م.طن (م1ع) القصدير (م3ع) البوكسيت (م4ع) المنغنيز (م6ع) وغيرها من المعادن. لكن أغلبها يصدر خاما، خاصة إلى الولايات المتحدة وألمانيا. وأهم مصادر الطاقة الفحم الحجري4,6 م.طن وهو من النوع الرذيئ. البترول 34,5م.طن، الكهرباء 234 مليار ك.و.س. 80% منها مائية لوجود اكبر سد في العالم (إيطايبو على نهر بارانا)، إضافة إلى استخلاص الكحول من قصب السكر واستخدامها وقودا للسيارات. لكن ضعف مصادر الطاقة يشكل عائقا أمام التطور الصناعي.
* الإنتاج الصناعي: يتميز بانتشار الصناعات الخفيفة وأهمها الغذائية في المرتبة الأولى: تشغل5/1 العاملين في الصناعة، تليها صناعة النسيج ثم الميكانيكية التي تطورت بشكل سريع جعل البرازيل أكبر منتج للسيارات في أمريكا الجنوبية، كما تنتج الجرارات والشاحنات، والأسلحة (م5ع) والطائرات (م6ع). أما الصناعة الثقيلة فاهمها الصلب 25,7م.طن والإسمنت وتكرير البترول. واهتمت البرازيل بالصناعة الإليكترونية فأصبت تسد 95 % من حاجياتها من العقول الإليكترونية. وتتركز أغلب الصناعات في المثلث الصناعي الذي يضم ريودي جانيرو، ساوو باولو، بيلوأوريزني.
3 ـ التجارة الخارجية: تطورت بفعل تشجيع الصادرات وتنويع موادها، حيث أصبحت المواد الصناعية تمثل3/2 حجم الصادرات، إضافة إلى تصدير المواد الفلاحية والمعدنية. وأهم الواردات المواد المصنعة ومصادر الطاقة خاصة البترول. وأصبحت البرازيل تنافس الدول الصناعية في أسواق أمريكا اللاتينية وإفريقيا. وأهم زبنائها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. ويتميز الميزان التجاري بكونه إيجابيا نتيجة تطوير الصادرات.
يعاني اقتصاد البرازيل عدة مشاكل تعوق السياسة التنموية
تعوق التنمية الاقتصادية في البرازيل عدة مشاكل أهمها: سيطرة الرأسمال الأجنبي على أغلب الصناعات والنقل الجوي والبحري، خاصة الرأسمال الأمريكي. وأمام تقلص الصادرات خلال الثمانينات بسبب الركود الاقتصادي، نهجت الدولة سياسة القروض الخارجية (م1ع). كما أن الفلاحة تعرف عدة مشاكل كاستعمال الأساليب التقليدية وضعف المردودية وسيطرة الملاك الكبار على الأراضي واهتمامهم بالمنتجات التسويقية، مما جعل الإنتاج المعيشي لا يكفي الحاجيات. وتعاني البلاد من الفوارق الطبقية حيث تنعم فئة قليلة بخيراتها، في حين تعيش الأغلبية في الفقر والأمية والبطالة، حيث نجد 47 % من السكان على عتبة الفقر. ويشتد التباين كذلك بين المناطق الداخلية والساحلية من حيث تركز السكان والأنشطة الاقتصادية وطرق المواصلات، لذلك أحدث مشروع عابر الأمازون للربط بين المناطق الداخلية والساحلية.
خاتمة: رغم ما حققه البرازيل من تنمية اقتصادية، فإنه يعاني مشاكل اجتماعية واقتصادية تجعله ضمن الدول النامية. وأخطر هذه المشاكل هي السيطرة الرأسمالية الأجنبية وتباين الفئات الاجتماعية في الظروف المادية والخدمات الاجتماعية.
الأربعاء 30 مايو - 3:36
(f)