[size=16]يدأت مظاهر العصرنة تضرب القرية. أخذ الناس يبنون منازل حديثة، و آستغنوا عن الرحى التقليدية، بدأوا يشترون السيارات... لكن العجوز و زوجته بقيا كما كانا.
" أنا حارس التقاليد" هذه هي إجابة العجوز لكل من سخر منه وهو يمتطي حماره نحو السوق.
للاسف الشديد، تحمل العصرنة مبادئ أيضا. بدأ الشباب يبتعدون عن الارض، يبحثون عن الكنز في الشمال، و يأتون و أولادهم لا يتكلمون حرفا واحدا من لغتهم الاصلية: فلا هم هناك و لاهم هنا. الانجاب يكون في بعض الاحيان خراب. هكذا يطمئن العجوز العاقر نفسه.
يسأل العجوز بوشعيب زوجته: لماذا لا تريدين أن نذهب بالطحين إلى المطحنة؟ إنك تتعبين.
تجيبه: العمل يجعل مني إمرأة تقاوم الزمن. أنظر إلى نساء الحضارة. كل شيء متوفر لهم: آلات كهربائية... لا يقمن بشيء، لا يتحركن. و النتيجة:
نساء سمينات دائمات المرض و التعب.
في أحد الايام، ينادي العجوز زوجته: أريد أن أخبرك بشيء مهم. أنت سعيدة معي أليس كذلك؟
- نعم... لكن دون أطفال.
- لا يهم. حتى الملوك الكبار حرموا من الانجاب. إنه ليس عيبا. سيدنا موسى لم يكن له ولد. سيدنا عيسى أيضا. سيدنا محمد فقد الولد الوحيد الذي لديه. أنظري أيضا إلى الملك ألكسنر، لم يترك وريثا فتنافس الجنود على حكمه. هذه سنة الحياة، و أنا مؤمن بالقدر.
- قلت أنك تريدني في شيء مهم.
- آه، نعم. كل ما أتمناه، هو أن تكوني أنت حور عيني في الجنة. لا أريد عجوزا أخرى غيرك. أحبك كثيرا عجوزتي.
تبتسم العجوز وتنصرف إلى عملها.
الجزء الثالث
في إحدى الليالي، لم ينم القط معهم في البيت. ظنوه مريضا. لكن الامر ليس كذلك. أحس العجوزان بهزة أرضية في منتصف الليل.
إنها أكادير. زلزال كبير مسح المدينة من الخارطة.
في اليوم الموالي، بدأ الحديث في المسجد عن الكارثة. أخذ الناس يداومون على صلاتهم من شدة الهلع، و يزورون المقابر.
بعض الناس يعتقدون أن السبب هو ياجوج و ماجوج. البعض الاخر، ربط بين الزلزال و العقاب الالهي. أكادير، كما يقول البعض، أصبحت مأوى للباحثين عن اللذة. الجنس في كل مكان.
الشباب يبيعون جسدهم للاجانب من أجل الربح السريع. يتعاطون المخدرات و يشربون الخبر. إنهم يستحقون العقاب.
العجوز بوشعيب غير مقتنع بفكرتهم. لكنه لا يريد الدخول في سجال لانه لن يجدي إلى شيء.
إختار بوشعيب أن يتحدث إلى زوجته. فهي الوحيدة التي تفهمه.
قام بوشعيب بشرح نظرية الزلزال بآعتباره ظاهرة علمية خاضعة لالتقاء الصفيحة المحيطية بالصفيحة القارية....
لم تنف الزوجة كلام العجوز.
- نعم، و لكن الله هو الذي يأمر هذه الصفائح بالتحرك.
يضحك العجوز و يستسلم لرشفة من الشاي و سيجارة.
الجزء الرابع
القرية بدأت تتغير، و المواصلات و تقنيات التواصر أصبحت حديثة.
الخاسر الاكبر في هذه "العصرنة" هم الشباب الذين يريدون تقليد الغرب في كل شيء. العجوزان لازالا متشبتين بالارض و التقاليد.
في إحدى الايام، جاءه موجه سياحي يكتري منه الحمار. جاء بعض الامريكان إلى المنطقة و أرادوا أن يمتطوا الحمار. و هنا تأكيد لنظرية العجوز
أن العصرنة تخلق المتاعب. لهذا جاء هؤلاء ليبحثوا عن الراحة، و يمتطوا الحمير بعد أن تركوا سياراتهم الفارهة.
العجوز يكتب الشعر. القارئ الاول و الوحيد له هو إمام المسجد. مشكل الثقافة الامازيغية أنها ثقافة شفوية. وبالتالي يموت التراث مع موت
الشخص. لكن العجوز يفكر بعيدا. فهو يكتب الشعر، و سيستعمل المذياع لنشر شعره عبر الاغاني الشعبية. و هنا توضيف جيد للعصرنة في خدمة
التقاليد. " أنا حافظ التقاليد" يردد دائما.
في يوم مشمش، رأى العجوز أناسا في فوضى متجهين إلى إحد المشاتل. إنها النار آشتعلت فيه و لم تتركه. بعد يومين، وجد الناس قنينات خمر و
بقايا سجائر في عين المكان. إن الحريق كان سببه إهمال بعض " المفسدين الشباب" الذين يهربون من المدينة ليختبؤوا في مشاتل الاخرين و
يتعاطون المحرمات. القضية أرقت العجوز. هذا الاخير يقرأ في الكارثة عدم آكتراث الشباب لاهمية الارض. الشاب مستعد لان يبيع الارض التي مات
من أجلها أناس كثيرون.
في صباح يوم جميل، دق على العجوز رجل عزيز. كانت المفاجأة كبيرة. إنه صديق قديم عندما كان في فرنسا. 30 سنة من البعد. إسمه رضوان.
جاء يخبره أن آسمه أصبح مشهورا حتى في باريس، و أن شعره أصبح يتغنى به الناس في راديو أمازيغي.
يضيف رضوان أن فرنسا لم تعد أحسن حالا من الماضي. أصبح الشباب أكثر عطالة، و نفورا إلى المخدرات و الخمور...إنها حضارة تافهة، يرد
العجوز، حضارة تصبغ نفسها بالجميل، لكن العمق مسوس...
[size=25]الجزء الاخير
في بداية السنة الموالية، كانت الازمة. الانسان كما الحيوانات تبحث عن ماء و أكل. قررت جهات عليا (الملك) منع التضحية في العيد الكبير.
الملك سيضحي بدل الامة. لم يستصغ بعض الناس الامر، فكانت الفوضى.
بدأت الدولة تفكر في بناء السدود.
الزمن... الزمن يغير كل شيء. أنا أيضا تغيرت، يقول العجوز.
في الماضي، كنت أكتب عن العشق و عن أشياء تافهة. الان، الحياة أخذت مني الالهام، و باتت مواضيعي متعلقة بالحاجيات و الخبز.
- إنس الانسانية و فكر في نفسك، ترد زوجته، أتريد شايا؟
- نعم، أريد الشاي.
عامان من الجفاف متوالية. بدأ الناس في الهروب. المنازل باتت خرابا. الكل يبحث عن مأوى.
"المدينة تغوي... لكنها مميتة. أنا سأعيش في هذا المكان، لان الحياة في كل مكان، حتى في الصحراء الجافة. الحمد لله على كل شيء."
[/size]