جلس من نومه صارخاً بأعلى صوته:
ياه!!! يا الله!!!...ماهذا ياربي ؟
استيقضت زوجته مفجوعة على صوت صراخه المرعب قائلة:
ابومحمد .. واش فيك .. أعوذبالله من الشيطان الرجيم..بومحمد؟
خيرإن شاء الله ... أللهم اجعله خير ... أذكر الله ..! أذكر الله..!
ردعليها والرعب يملأ كيانه:
لاأصدق أبداً ... انظري إلى يدي..
كان .. اصبع إبهام يده اليمنى ساقطاً على المخدة ويده اليمنى ليس بها
سوى أربعة أصابع فقط ... لانقطة دم واحدة...لاألم...لاورم...لاشىء
يدل على أن اصبعه مقطوعة سوى الاصبع الملقى فوق المخدة...
نهض من فوق سريره والرعب يغلف قلبه..
وبعد دقائق من حالة الذهول التي عاشها وزوجته...
سحب منديلاً من علبة المناديل ولف بها اصبعه ولبس ثوبه بسرعة ...
دون أن يزَّرره ثم خرج من الغرفة واصبعه في يده ملفوفاً بالمنديل
ركب سيارته.. وضع المفتاح في مكانه.. حاول إ دارة المحرك لكن
يده لم تكن لتساعده... بصعوبة بالغة استطاع إدارة المحرك..
لم ينتظرأن يسخن المحرك..قاد السيارة بسرعة وفي طريقه إلى المستشفى
لم يكن هناك شىء محدد في ذهنه ..
كل الأفكار أصبحت ككومة من الأسلاك المتشابكة.. كل شيء متشابك..
عيناه تنظران إلى الطريق تارة وإلى منديل الورق الموضوع على المقعد
الذي بجواره وبه اصبعه الساقط منه تارة أخرى..
وصل إلى المستشفى في صباح ذلك اليوم الباكر...
دخل مسرعاً بعد أن أوقف سيارته أمام باب الطواريء..
ترك المفتاح لعجزه عن إيقاف المحرك... ترك المحرك يعمل ... وترك الباب
مفتوحاً ودخل إلى الصالة حاملاً اصبعه الملفوف بمنديل الورق وهو في ذهول
المجانين...
حاولة الممرضة أن تفهم منه أي شيء... تعاطفت معه بعد أن أحست أنه يعاني من
مشكلة....
ذهوله يثير الشفقه... حاول أن يشرح لها ...لكنه لم يستطيع ...كانت الكلمات تتسابق
في فمه...يريدها أن تفهم دون أن يشرح ... لاوقت لديه ليشرح ... فالأمر خطير...
صرخ بأعلى صوته: وين الدكتور ؟ أين الطبيب ؟ ياجماعة ماتفهمون ؟
لايفهمون العربية ... لايفهمون الإنجليزية..
وضع المنديل على الطاولة وفتحه لينظروا مابداخله... لم يفهموا مايريد...فتح يده لهم
ليس بها سوى أربعة أصابع...
صرخت الممرضة بالإنجليزية:
OH...MyGod, What is this?
شُكّلت لجنة بالمستشفى لدراسة هذا الظاهرة الغريبة...شيء لم يحدث من قبل...
ولا أحد يظنه سيحدث مستقبلاً... لم تستطيع اللجنة أن تفعل شيئاً طالما أنه لم
يحدث نزيف... وطالما أنه ليس هناك ألم ...وطالما أنه ليس مقطوعاً بآله حادة...
وطالما أنه ليس هناك إمكانية لإعادة ذلك لمكانه...وطالما...وطالما...وطالما...
وأصبحت تلك الطالما بالنسبة إليه طامّة كبرى...
أعادوا له اصبعه... بمنديل الورق ...
عاد من المستشفى إلى منزله ... جلس بالصالة... فتح المنديل ونظرإلى اصبعه
ونظرإلى يده وزوجته بجانبه تكاد تقتلها المفاجأة والحيرة...
أخذ ابومحمد يردد : ماذا أفعل الآن ..الهمني ياربّي.. ماذا أفعل الآن..؟!
أخذ يتمتم وزوجته بجانبه تبكي ... وكأن الذي بجانبهما بالمنديل أحد أطفالهما..
أخذ يكرر تساؤلاته موجهاً كلامه إلى زوجته وكأنه يطلب منها أن تجد له الحل..
أن تعطيه جواباً شافياً..
ماذا أفعل ؟.. هل أستطيع أن أعمل الآن ؟!
ردت زوجته تلك المرأة الطيبة وكأنها تحاول مواساته والتخفيف من مصيبته:
خلّى إيمانك بالله قوي...ستعمل إن شاء الله..لابد من وجود حل..
حل إيه يابلها..حل إيه.. قومي عن وجهي.. قومي..
صرخ بها في عصبية وكانها السبب فيما حدث له...ثم أردف:
لااستطيع حمل المفاتيح ...لا أستطيع قيادة السيارة...كيف سأستطيع أن أوقع
في محضرالحضوروالانصراف..كيف ؟ كيف سأتمكن من إنجاز المعاملات
ولإمضاء عليها...يارب!
ثم انخرط يبكي ...وزوجته تبكي بجانبه ...واصبعه الملفوف بمنديل الورق في حضنه
مضت ثلاثة أيام وهو في غرفته... لايريد أن يتحدث ...لايريد أن يأكل...لم ينم...
كلما أخذته غفوة أيقظته الهواجيس والكوابيس المرعبة... يريد أن يفهم ... يريد أن
يقتنع بما يحدث أمامه...
دخلت زوجته عليه محاولة أن تخفف عنه مايعانيه قائلة:
يابومحمد...الله يهديك...أخوانك وأقاربك...جاؤا يسألون عنك وانصرفوا ةانت حابس
نفسك بالحجرة...على الأقل كُلْ أي حاجة...حرام عليك...أنت صايم من ثلاثة أيام
قاطعها بعنف:
انقلعي...ذلفي عن وجهي ...واقفلي الباب وراك...
جلس في حجرته وحيداً وآلاف الأسئلة والاستفسارات تتردد في ذهنه دون أن يجدلها
جواباً شافياً...ثلاثة أيام وهو يحادث نفسه كمن أصابه مس من الجنون...
ترى لوفصلت من عملى ...أي عمل أصلح له ؟
بس أنا عندي خدمة ...بالدولة ..أكيد الدولة تبغى تقدر موقفي...
بس كيف أثبت أن اصبعي سقط من حاله بدون أي حادث...
لازم المسئولين بالعمل بيسخرون مني...ويضحكون عليّ..
معقول ؟ معقول يانلس الواحد يصحى فجأة من النوم يلقى اصبعه طايح جنبه...معقول ؟
ياسبحان الله العظيم
ضحك ...وهو ينظر إلى يده كانت الساعة تشيرإلى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل
أحس بالرغبة في رؤية طفلته...وزوجته الطيبة الحنون...لقد أحس بأنه قسى عليها
سرح به الخيال... نسي يده...نسي اصبعه...تذكر زوجته وطفلته الرائعة...
وفجأة!!!!!
نظرإلى منديل الورق من بعيد...وبه إبهامه... أصبح يخاف أن يلمسه...
لاحظ أن لونه قد تغيّر... بدأ يميل إلى الزرقة والاسوداد...نهض من فوق سريره
لف إبهامه بمنديل الورق وخرج من منزل...كانت الساعة تشير إلى حوالي الثالثة صباحاً
ذهب إلى المقبرة لدفن اصبعه..!!
بعد ساعة.. وهو في طريق عودته للمنزل أوقفه رجل الشرطة بعد أن سأله:
وش عندك ياولد؟
استغرب الشرطي وجوده في تلك الساعة التأخرة وفي هذا المنطقة المقفرة...أعاد سؤاله:
وش عندك ياولد؟
رد عليه بثقة وكأنّ الشرطي على علم بمصيبته.
كنت أدفن إبهامي!!!
رد الشرطي باستغراب وتحفر...شنهو ؟
أقول كنت أدفن إبهامي.
قال الشرطي ساخراً بعد انه أحسّ بأن ذلك الشخص الواقف أمامه غير طبيعي, قائلاً
ايه ...أحسن الله عزاك...إمشي قدامي للمركز...إمشي ...
ثم سحبه معه لمركز الشرطة.
____________________________________________________
قل للـــــدي يـدعـي فـي الـعلـم مـعـرفـة
فـقـد عـلـمـت شـيـئـا و غـابـت عـنـك اشـيـاؤو