يجدر بنا في المغرب أن نبخس من قدر العديد من أصحاب الأفكار الذكية الذين يقدمون خدمات تبدو لبعضنا سخيفة وتافهة، ولكنها في الحقيقة أفكار تستشرف المستقبل وتتزامن مع روح العصر.
«التعليم الإلكتروني» أو «المدرسة الإلكترونية» أو «المدرسة الافتراضية».. لا يوجد لها معادل في الواقع المغربي، رغم أن هناك بلدان سبقتنا في استخدام الوسائط الالكترونية في أنظمتها التعليمية (أمريكا، كندا، سنغافورة، فرنسا..). المغرب ليس بعيدا عن «هذه الصرعة» التكنولوجية، بل عرف انطلاق أول ثانوية إلكترونية في شهر نونبر من السنة الماضية، حملت اسم «ثانوية المغرب الالكترونية» : www.lycee-maroc.ma. من مزايا هذا النظام التعليمي هو استغلال الطرق السمعية البصرية كوسيلة للتدريس بفضل الانتشار الواسع للأنترنت، اعتمادا على العرض التدريجي للدرس المهيء مسبقا من طرف الأستاذ استعمال برنامج powerpoint المستخدم بكثرة في الجامعات والمدارس العليا، ومزايا هذا البرنامج هي تقديمه لدروس تتميز بجمالية التنظيم مع إمكانية استعمال عدد كبير من الوثائق التي تمتاز بالدقة والوضوح، وتوجد هناك شروحات مسهبة على الموقع.
كلفة الموقع
رَبْط الحاسوب بشبكة الإنترنيت هو حجر الزاوية في هذا النظام من التعليم، حيث يتواصل الأستاذ والتلميذ بواسطة حاسوبيهما الشخصي عبر شبكة الأنترنت عن طريق استخدام برنامجين مشهورين للاتصال الالكتروني: الأول للتواصل السمعي (skype)، والثاني للتواصل البصري (vnc).. ويمكن للتلميذ مشاهدة شاشة الأستاذ مباشرة والتواصل معه وهو يشرح الدرس صوتا وصورة.
المشرف على هذا الموقع هو عادل الجعفاري، طالب مغربي من مدينة الدار البيضاء، ظل عاما وهو يقلب فكرة المشروع في رأسه، وعرضها على بعض الأساتذة الذين أعجبوا بها، غير أنهم شككوا في نجاحها، خاصة أن فكرة التعليم عن بعد باستغلال وسائط الأنترنيت لم تهضمها حتى وزارة التربية الوطنية التي لم تبد تحمسها للمشروع وأقفلت باب الحوار في مهده!!
«ثانوية المغرب الإلكترونية» لن تنسف ثانويات الوزارة، ولن تهدد رجال التعليم بالبطالة، ولن تقلص من اختصاص الوزير، بل هي من تجليات تطور الطرق البيداغوجية في التعليم التي أصبحت توظف الأدوات السمعية البصرية. وهي في الوقت نفسه ثانوية موازية للثانويات العمومية والخاصة مفتوحة في وجه جميع أساتذة المغرب، فضلا على أنها خزان للدروس والتمارين، وحتى الدروس البيداغوجية للأساتذة، إذ يوجد جناح خاص بالأساتذة يناقشون فيه المواضيع التربوية.
الموقع في بدايته يستهدف تلاميذ السنة الثانية باكالوريا جميع الشعب، وهناك مخطط لتعميمه قريبا على السنوات الثلاث للتعليم الثانوي، كما يساعد متصفحه على الولوج إلى خدمات مجانية كمنتدى المساعدة (lycee-maroc.jeun.fr/index.forum) الذي يمكّن التلاميذ من التواصل مباشرة مع أساتذتهم، وهو أيضا ساحة لمناقشة مشاكلهم وتبادل الآراء والمعلومات والدروس. بالإضافة إلى أن الموقع يحتوي على أرشيف من الدروس في كافة المواد مع تطبيقاتها واختبارات سابقة وحلولها. خدمة أخرى يقدمها الموقع للتلاميذ هي التوجيه ما بعد الباكالوريا، حيث سيجد المتصفح بين يديه كل المعلومات حول شروط الولوج لمؤسسات التعليم العالي، وهذه الخدمة المهمة لا تتوفر عليها حتى وزارة المالكي، خاصة أن التلاميذ يجدون صعوبة كبيرة في التوجيه لشح المعلومات المتوفرة.!! جميع هذه الخدمات التي يقترحها موقع عادل الجعفاري لم تقتنع بها وزارة التربية الوطنية، ولم تقدم له أي دعم ولو رمزي، مع العلم أن الجارة تونس تستغل كثيرا الأنترنت كوسيلة للتعليم عن بعد، ولا يرى المشرف على الموقع مستقبلا للتعليم بالمغرب إذا لم يواكب التطورات في ما يخص طرق التدريس.
هذا المشروع المستقبلي كلف عادل الجعفاري 5000 درهم والكثير من الجهد والعناء، وهو يكافح كي لا يتم إغلاق الموقع من طرف الشركة المستضيفة، لأنه في كل شهر يكاد نتجاوز المساحة الممنوحة له من طرف الشركة.
وصل عدد المنخرطين 35 تلميذا وتلميذة، وعدد المتصفحين للموقع يقارب 1500 زائر. عدد الأساتذة الفعليين المسؤولين عن الفصول الافتراضية 13 وأكثر من 20 أستاذا متعاونا يراسل الموقع بمساهمات عبارة عن دروس أو تمارين. دروس الدعم والتقوية التي تقدمها «ثانوية المغرب الإلكترونية» لمنخرطيها تتراوح ما بين 300 و 600 درهم في الشهر: 300 درهم بالنسبة للفصول الافتراضية الجماعية (10 تلاميذ في الفصل) و 600 درهم بالنسبة للتعليم الفردي.
المتطوعون
مصمم هذا الموقع عادل الجعفاري هو المكلف بتلقين مادة العلوم الطبيعية، ويساعده أساتذة متطوعون كل واحد له الحق في تغيير محتوى المادة التي يدرسها، ومنهم من ينظم دروس الدعم من خلال الموقع.
الجعفاري، للمزيد من المعلومات، طالب مجاز في شعبة البيولوجيا، درس سنتين في كلية طب الأسنان. ولكنه غادرها لأسباب قاهرة.. درس سنة في مدرسة خاصة للمعلوميات. واثق من نجاح تجربته، بفضل عدد الزوار الذين يتزايدون باستمرار، والطرق الفعالة التي توفر على التلاميذ الوقت والجهد، وتوفر على الآباء مصاريف دروس الدعم والتقوية المكلفة مقارنة مع الأثمنة التي يقترحها الموقع.
منقول من alwatan.pres