المنتدى العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دراسة المؤلفات

اذهب الى الأسفل 
+8
laziz
amany
nkkin
الإمبراطور
missblue4
samra
mo7amed1088
narjiss17
12 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالسبت 17 فبراير - 6:32

دراسة المؤلفات Dar11



يسرنا أن نقدم لتلاميذ السنة الثانية الأدبية، انطلاقا من هذا الأسبوع، الدليل الخاص بدراسة مؤَلّف "أوراق" للأستاذ الروائي والمفكر المغربي عبد الله العروي.

وجدير بالذكر أن "دليل التلميذ" عبارة عن سلسلة من الكتب الديداكتيكية المؤلفة من طرف الأستاذين محمد فري ومحمد أحميد من أجل مساعدة المدرسين والتلاميذ على إنجاز درس المؤلفات في السنوات الثلاث من التعليم الثانوي التأهيلي، وقد التزما في خطة تأليفهما بالمنظورات الستة التي تتأسس عليها قراءة فيالا وشميت المعتمدة في تنفيذ منهاج اللغة العربية (مادة المؤلفات).

نتمنى أن تفيدكم هذه الدروس بدوركم، وأن تردفوها بتعليقاتكم وملاحظاتكم القيمة.....


دراسة المؤلفات Hpothb10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالسبت 17 فبراير - 7:14

دراسة المؤلفات Awraq11

شهدت الدراسات السردية في السنوات الأخيرة اهتمامات بما يسمى بالنـص المــوازي Paratexte، و يقصد به تلك المقدمات أو العتبات الروائية التي يعكسها الغلاف و التي تتكون غالبا من اسم الكاتب و العنــوان و التعيين الجنسي و الصورة و النصوص المثبتة على ظهر الغلاف بما في ذلك الإشارة إلى دار النشر و سنة الطبع.

و كل هذه المكونات تعتبر "بابا" ننفذ منه إلى "داخل" الرواية، و كأنها بذلك تسبق المضمون إلى مخاطبة القارئ لتعلن عن محتواه بطريقتها الخاصة، و حسب ذلك فهي تقوم بمهمتي التقديم و إيحاءات التبليغ، بمعنى أنها تزين الكتاب و تعطيه طابعا جماليا، و في نفس الوقت ترسخ وظــيفة تداولية Fonction Pragmatique تساهم في جذب القارئ و استقطاب اهتمامه عن طريق محاورة أفق انتظاره.

و سنكتفي في تحليل النص الموازي ضمن القراءة التوجيهية بالعناصر التالية :

1- العنوان ؛

2- الجنس ؛

3- الكاتب.


دراسة المؤلفات Awraq_10
لوحة الغلاف
1- العنوان
من المراحل المهمة والحاسمة التي يمر منها الكاتب هناك مرحلة إعطاء اسم/عنوان لكتابه ، حيث تخطر بباله أسماء كثيرة فيتردد طويلا قبل أن يحسم ويختار منها ماهو دال ومناسب بعد بذل جهد في صياغته بدقة وإحكام ، لأنه أول ماسيلفت انتباه القارئ.
فالعنوان إذن بمثابة الوجه الذي نتعرف به على النص (رواية أو سيرة...الخ).
ويتخذ العنوان أهميته عندما نربطه بالنص ، فتصبح له دلالات وإيحاءات تفسيرية وتعليلية لوجود العلاقة الجدلية بينه وبين هذا النص ، بل هو نص واصف للنص (نص مواز Paratexte) ما دام يحكي عنه بطريقة إيحائية ودلالية.
يوحي عنوان أوراق بعدة دلالات، فهو يخبر ويكشف عن الإطار أو القالب الذي صيغ فيه النص ، حيث يدل ويوحي بأن الكتاب عبارة عن مجموعة من الأوراق المتنافرة التي تحتاج الى ترتيب وتبويب بشكل يحدد معناها.
إن هذه الإيحاءات تلتقي مع ماجاء في النص عندما نعلم أنه عبارة عن أوراق تركها ادريس بعد وفاته ، فاضطلع شعيب والسارد بجمعها وترتيبها ثم محاولة شرحها والتعليق عليها لتحديد أسباب إخفاق وموت صاحبها ، وهي مبادرة من هذين الشخصين ، لها أهميتها وقيمتها ، إذ لولا ذلك لضاعت الأوراق ، وحطت رحالها عند بقال " يغلف بها الحمص" كما جاء على لسان شعيب.
من هنا يتسم عنوان أوراق بذلك الطابع السحري ، لأنه يشي بحمله لأسرار عديدة ، ويثير الإحساس بالرغبة في التطلع إليها والتعرف على محتواها.
من جهة أخرى يحيلنا عنوان "أوراق" ، على كتاب آخر قديم ، يحمل نفس العنوان تقريبا ، وهو كتاب الأوراق لأبي بكر محمد بن يحي الصولي ، فإذا علمنــا أن هذا الكتاب الثاني التراثي هو عبارة عن نصوص اختارها صاحبها ثم علق علـيها في الحواشي-مما يذكرنا بنمط قديم في الكتابة يعتمد على المتن والحاشية - خطر ببالنا أن أوراق العروي قد تسير على هذا النمط ! وهذا فعلا ما نكتشفه عندالكاتب فالعروي في عمله الرابع هذا ( بعد اليتيم - والغربة-والفريق) يجرب تقنية جديدة في كتابة السيرة : فهو يعرض أوراق إدريس بين مزدوجتين ويتبعها بالنقد والتحليل والتعليق ، وبذلك يبتعد عن الطريقة المألوفة للسرد في الرواية والســيرة، ويعــود إلى التراث لاستثمار طريقة تقليدية ، تقوم على المتن والحاشية ، فيؤسس في أوراق طبقتين سرديتين :
- حاشية /أو طبقة سردية خارجية/أو محكي إطار/مؤطر (بكسر الطاء ).
- متن / أو طبقة سردية داخلية / أو محكي مؤطر ( بفتح الطاء).
وبذلك يعطي المؤلف بعدا تخييليا جديدا (قالبا فنيا جديدا) يتبع فيه المسار الفكري والعاطفي لإدريس الذي ترك أوراقا أو مذكرات سجل فيها خواطره وأفكاره وآراءه وتعليقاته عن كل ما قرأه وشاهده ، وما احتك به من تيارات أدبية وفلسفية وفنية ، لأن ادريس لم يكن طالبا عاديا بل قارئا مستوعبا وباحثا حاذقا ، له من المؤهلات ما يجعله قادرا على تسجيل ملاحظاته وانتقاداته وانطباعاته، التي لها بدورها من الأهمية ما تدفع بالسارد وشعيب إلى التحاور حول تحليلها وشرحها والتعليق عليها.
2- الجنس

نلاحظ أن الكاتب لم يعلن في مؤلفه هذا عن أن الكـتاب رواية أو سـيرة أو سيرة ذاتية ، بل أشار في العنوان الفرعي بأن الأوراق هي " سيرة إدريس الذهنية " وهذا ما يدفع بنا إلى ضرورة مقاربتها ومقارنتها بالأجناس السردية المشابهة ( كالسيرة والسيرة الذاتية والرواية).
إن كثيرا من النصوص السردية تعتبر متغيرات للسيرة أو السيرة الذاتية ، لأنها لاترتبط بالشروط التقليدية لهذه الأجناس ، فمثلا الفيلسوف الغزالي في كتابه " المنقذ من الضلال" يعبر عن حكاية ذاتية يلخص فيها مسار تطور فكره من مرحلة الشك إلى اليقين ( من الضلال إلى اليقين) ، مؤكدا عجز العقل وحده عن تحقيق هذا الهدف ، ومثبتا أهمية طرق المتصوفة ، فكتابته إذن عبارة عن حكاية ذاتية تقارب السيرة ، إلا أنه لم يصرح بها علانية ، وإنما تخيل ساردا يطلع (الأخ في الدين /المسرود له) عن مساره الثقافي من مرحلة الشك الى اليقين ، فالغزالي هنا يستغل المواد التخييلية ، والنصوص الواصفة لإنجاز رهانه. وهناك مثال آخر عن الكاتب المغربي عبد الكبير الخطيبي في مقدمة كتابه الذاكرة الموشومة Mémoire tatouée التي يعلن فيها أن ما سيكتبه هو سيرة ذهنية وليس سيرة ذاتية ، ويعني هذا أنه سيبتعد عن سرد الحدث والنادرة ، ليركز على ما له علاقة بالمسار الفكري الذي يترصده ويحدد من خلاله أهم المؤثرات الثقافية التي طبعت رؤيته إلى الوجود.
فهذان مثالان عن متغيرين للسيرة الذاتية يدفعنا إلى تأكيد أن "أوراق" هي أيضا متغيرة للسيرة : فهي تعرفنا بحياة إنسان ما (إدريس) يتوفر على مميزات تستحق الاهتمام ، لكنها تختلف عن السيرة في كون هذه الأخيرة شخصية خيالية (من ورق) لانجد لها مرجعا خارج النص ، رغم أن السارد يحاول إيهامنا بوجودها كحقيقة ملموسة، يساعده على هذا التوهيم اعتماده على بعض التقنيات المدعمة لمقولة الصدق والصحة ، كالتوثيق والتحقيق والارتباط بفضاءات حقيقية ، إننا نلاحظ أن السارد يلتقي مع إدريس في نقط متعددة ، مما يجعل كل واحد مرآة للآخر ،حيث تتداخل المعطيات السير ذاتية /الذهنية لكل منهما ، فكثيرا ما يقحم الكاتب ذاته في " أوراق إدريس " ويظهر عالما بأمور كثيرة ، بل نجد أحداثا كثيرة تحيل عليه عندما نربطها بظروف حياته ( كالنشأة والدراسة وغير ذلك...) ، وهو واع تمام الوعي بهذه المعطيات التي تجعل الذاتي فيها ينفجر من داخلها كما عبر الكاتب نفسه (سيرة متفجرة من الداخل).
ولعله اختار هذا القالب الفني ليتجرد من ذاته ، ويراها منعكسة على ادريس /المرآة ، وبذلك يكون أكثر تحررا من القيود التي تفرضها السيرة ، عندما تراهن على سرد الواقع الذي مضى زمنه ، فتتناسى الذاكرة كثيرا من تفاصيله أو يصعب عليها التعبير بوضوح عن العلاقات التي تربط الذات بذوات أخرى...
وهذا لايعني أن ادريس والعروي ذات واحدة ، فكل منهما يشكل حقيقة متميزة ، مادام السارد /المؤلف قد استعان ببعض عناصر التوهيم التي أضفى كثيرا منها على ادريس ليكسر المرآة بينهما.
[/right]

3- الكاتب

- ولد عبدالله العروي بأزمور سنة 1933 وبها تلقى تعليمه الابتدائي.
- سافر إلى مراكش والرباط لمتابعة الدراسة الثانوية.
- سافر بعد ذلك إلى باريس لاستكمال دراسته العليا :
• درس بمعهد الدراسات السياسية.
• وكلية الآداب بجامعة باريس
• أحرز على شهادة في العلوم السياسية 1956
• وعلى شهادة عليا في التاريخ 1958
• أصبح مبرزا في العلوم الإسلامية 1963
• نال دكتوراه الدولة في التاريخ 1976
- شغل منصب مستشار بسفارة المغرب بباريس والقاهرة من (1962-1960 )
- مارس التعليم :
• كان معيدا بمعهد الدراسات العربية بباريس
• ومحاضرا بكلية الأداب بالرباط
- تقلب في عدة وظائف ، ومارس الكتابة :
• من مؤلفاته الفكرية :
• "الايديولوجيا العربية المعاصرة"
• العرب والفكر التاريخي
• مفهوم : الاديولوجيا
• " الحريـــــــة
• " الدولـــــــة
• ثقافتنا في منظور التاريخ...
• من مؤلفاته الإبداعية :
• له أربع روايات :
" الغربة " -" اليتيم" - " الفريق " و" أوراق".
- يشغل الآن عضوا بأكاديمية المملكة المغربية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالسبت 17 فبراير - 7:26

تتبع الحدث suivre l'action


تهدف دراسة منظور "تتبع الحدث" في الرواية (وفي كل عمل سردي) إلى الكشف عن الوقائع التي تشكل نسيج النص و الآثار التي تحدثها في القارئ11 .

و تتضمن هذه الدراسة العناصر الآتية:

أ. جرد الوقائع (المتن الحكائي) Fable ؛

ب. الحبكة Intrigue ؛

جـ. الرهان Enjeu ؛

د. دلالات و أبعاد الحدث Significations et portées de l’action


أ-جرد الوقائع (المتن الحكائي) fable

قبل الحديث عن هذا المنظور، تجدر الإشارة إلى مسألة التعيين الجنسي للكتاب، و المنطلقة من العنوان الفرعي، "سيرة إدريس الذهنية"، فهو يوحي باستبعاد الوقائع و الأحداث، و يستجلب فقط ما له علاقة بالمسار الفكري لإدريس، و المؤثرات التي طبعت رؤيته للوجود، و ساهمت في تشكل وعيه و نمو وجدانه.

من هنا لن نجد في أوراق أحداثا بالمعنى المألوف في الأجناس السردية التقليدية، نظرا لغلبة الطابع الذهني/الخطابي عليها، و لأن طابع المحكي فيها هو "محكي الأقوال" Récit de paroles و ليس "محكي الأحداث" Récit d’événements، حسب جيرار جينيت12

و قد سبقت الإشارة إلى أن "أوراق" تتضمن طبقتين سرديتين:

• فهناك المحكي الإطار أو الطبقة السردية المؤَطِّرة/الحاشية: و هي محكي شعيب و السارد حيث تنهض هاتان الشخصيتان بدور الحكي فـيشرحان و يحللان أوراق إدريس، و يناقشان مضمونها و يعلقان عليه.

• و هناك المحكي المؤَطَّر أو الطبقة السردية المؤَطَّرة (المتن: و هي محكي إدريس المتمثل في "أوراقه" التي يتحدث فيها عن قضايا متعددة و مختلفة.

من هنا يتجلى التداخل السردي في "أوراق" و يساهم في خلق الصعوبة المتعلقة بطبيعة الأحداث فيها، و بتجديد المتن الحكائي، حيث لاحظنا انقسام المحكي إلى قسمين:

- محكي شعيب و السارد ؛

- محكي إدريس.

و يمكن إضافة محكي النص، إذا اعتبرناه يقدم لنا تصورا جديدا لمفهوم السيرة، يتداخل مع تقنيات سردية روائية.

هكذا تتعدد النصوص في "أوراق"، و هو أمر يستدعي تخصيص تحليل مستقل لكل نص على حدة، فالبنية التي يستثمرها عبد الله العروي، تستثمر بصورة عامة طريقة المتن و الحاشــية التي كانت سائدة في الكتابات التقليدية، و عن طريقها يبدأ الحـدث - إذا تعاملنا بصورة متجاوزة مع مفهومه - بمبادرة شعيب (في النص المؤطِّر)، بحمل الأوراق إلى السارد، و مطالبته بترتيبها و توثيقها خوفا عليها من الضياع، لأن توثيقها من خلال كتابة سيرة ذهنية لإدريس، يعتبر احتفالا بعشرينيته بعد موته: "يحتفل الناس بالأربعينية، لنحتفل بعشرينية إدريس.. عشرين سنة في ظلمات الاحتلال، و عشرين سنة في نور الاستقلال.."13

من هنا تظهر الأحداث في المحكي الإطار في محاولات شعيب و السارد تقديم أوراق إدريس بشرحها و انتقادها و التعليق عليها. و ينتهي هذا النص المؤَطِّر بالإشارة إلى موت إدريس، و محاولة تقويم ذلك، باعتباره نصرا و تغلبا على الإخفاق، حيث كان موته بسبب إيمانه بمبادئه و قيمه، رغم كونه إيمانا قاتلا "ليقول غيرنا ما يشاء في حق إدريس، أسمع بعضهم يقرر: ما مات إدريس إلا لأنه لم يكن يحب الحياة. كانت نهايته مكتوبة في ولادته، من يقول هذا القول لا يحـبه، يقتله و يتركه فريسة الكـلاب و الذئاب. و أنت أيها الصديق، قد تندم على ما فعلت، بعد أن استمعت إلى، قد تعود إلى سابق فكرتك أنه كان أولى بنا أن نترك الأوراق مبعثرة كما تركها إدريس، ربما عن قصد و بعد تفكير و روية. أعود و أقول: كشفت عما لم تكن تتصور أنه موجود فيها، أعطيت لموته معنى، حولت حسه بالإخفاق إلى نصر. كان له عليك دين، فاعترفت له به و أوفيت. أحب أن نلجم النفس، أن نتوقف و نقول، رغم ما في الكلمة من خشونة:

إدريس أودى به إيمانه."14

تلك هي الخلاصة التي خرج بها شعيب و السارد من خلال قراءتهما و تحليلهما لـ "أوراق"، و كأنها نهاية يختمان بها سردهما، و ينتهيان مما عقدا العزم على تنفيذه في البداية.

أما بالنسبة للمحكي المؤطَّر (محكي إدريس)، فنجده متمثلا في أوراق إدريس التي "تحرك فيها" من الصديقية إلى مراكش ثم الرباط، انطلاقا إلى باريس و رجوعا إلى المغرب. و هو "تحرك" يمثل المراحل التي تشكل فيها وعيه و وجدانه، و احتك فيها بموضوعات طبعت مسار تعلمه و تربيته. وهي مراحل تلخص سيرته الذهنية بدءاً بولادته و انتهاءً بموته، من هنا يمكن اعتبار الأوراق، وثائق شخصية يحكي فيها إدريس مراحل نمو وعيه بالدرجة الأولى، أو أرضية تساعد على توضـيح تشـكل هذا الوعي، و قد تميزت الأوراق بعدم الخضوع للتعاقب الخطي المنتظم، بــل قامت على التضمين و الانشطار الحكائي و التقطعات الزمنية، فهناك تضمينات حكائية داخل الأوراق، و هناك انقسام و تفرع المحكي الرئيسي إلى محكيات صغرى أو ثانوية.. و كل هذا جعل "أوراق" تتميز بالتداخل و التقطع، و هو نظام يذكر بالتقنيات السينمائية التي تعتمد على تداخل اللقطات و تفرعها و انشطارها. من هنا ينعدم الترتيب الزمني (الكرونولوجي) في "أوراق"، و يعوض بترتيب تيمي أو موضوعاتي يتجلى في البنية المكونة من ثلاثة أقسام و تسعة فصول و ثمانية و ثلاثين ورقة وقعها إدريس.

و هكذا بالنسبة لمحكي إدريس، سننطلق من هذه البـنية، و نلـخص الأوراق / المتن باعتبارها عنصرا أساسيا لفهم المؤلَّف. و تبعا لذلك يكون التلخيص / الجرد كالتالي:

I. القســـــــم الأول:

الفصــول:

1: العائلة ؛

2: المدرسة ؛

3: الوطن

1- العائلة : تبدأ أوراق هذا القسم بالإشارة إلى عائلة إدريس و مواصفاتها، ثم الإشارة إلى سنواته الدراسية التي قضاها بمراكش مع زملائه و أساتذته، و عودته إلى منزل الأسرة، و تعرفه على أبناء عمومته و بنت عمه [5 - 3].

2- المدرسة: و تهيمن على أوراق الفصل الثاني قضايا فلسفية، فنجد حديثا عاما عن فلسفة نيتشه مقارنة مع تعاليم أفلاطون و أرسطو و ديكارت و كانط.. و ذلك حول مفهوم البطل أو الإنسان المتفوق المناقض للرجل العادي، كما نجد اهتمام إدريس بمحاضرة حول نيتشه، نظمتها أسقفية الرباط سنة 1951، و تحليله لموضوع يناقش ضرورة مسايرة الدين لمستوى التطور الحضاري الإنساني، و أخيرا نجد حدثا ترك أثرا عميقا في نفس إدريس، و يتعلق بتشكك أستاذ الفلسفة الفرنسي في قدراته المعرفية بعد كتابته لموضوع إنشائي فلسفي [14.12.10.8].

3- الوطن: و يشير في أوراق الفصل الثالث إلى حكاية تحيل على قصة "الحلاج" المتصوف الذي قتل بسبب قولته الشهيرة غير المفهومة "ما في الجبة إلا الله" و "معبودكم تحت قدمي"، إشارة إلى تساميه الروحي، و إلى المال المدفون في الأرض تحت قدمه. و ينتهي الفصل بحوار إدريس مع أبيه حول المسألة الوطنية، و الإشارة إلى أحداث و ظواهر ثقافية و اجتماعية و سياسية كنفي محمد الخامس و نتج عن ذلك من أحداث وطنية [18-16].

II. القســــم الثـــــاني:

الفصــول:

4: الوجدان ؛

5: الضمير ؛

6: الهوية.


4- الوجدان : تبدأ أوراق القسم الثاني في الفصل الرابع بتداخل بين إحباطات وجدانية و قضايا وطنية حول الحرية و الثورة و السياسة و الفكر و الهزيمة [25.23.21].

5- الضمير : ثم نجد في الفصل الخامس تردد إدريس بين امتهان الطب و احتراف الكتابة، و إشارة إلى الفرق بين علاقة الشاب العربي مع أسرته مقارنة مع علاقة نضيره الغربي.

و تنتقل الأوراق للحديث عن الرسالة التي تردد إدريس في بعثها إلى علال الفاسي بعد صدور كتابه "النقد الذاتي"، و التي ناقش فيها علاقة الحزب بحركة المقاومة، و الموقف من السياسة المتعنتة للحكومة الفرنسية الرافضة لوجود علاقة بين العرش و الشعب. ثم نجد مقالا يرد فيه إدريس على الموقف الاستعماري (ويمثله إميل روش) الذي يحاول جعل المشكلة المغربية خاصة بالحكومة الفرنسية وحدها، و يوضح أنها مشكلة مرتبطة بكل الدول الإسلامية.

ثم ينتقل إدريس إلى مقال يرد فيه بعنف على الكاتب المغربي إدريس الشرايبي و كتابه "الماضي البسيط le passé simple"، لإرغامه على التراجع عن مواقفه التي استغلتها الحكومة الاستعمارية لتبرير سياستها الرجعية بالمغرب.

بعد ذلك يتحدث عن عيد العرش باعتباره رمزا لانتصار الحق على الباطل [35.33.32.31.30.29.27].

6- الهوية: و من أهم المواضيع في أوراق الفصل السادس، الحديث عن العلاقة بين العلمانية و الديموقراطية، و تعليقات على كتب في هذا الموضوع، و حديث متشعب عن علاقة الغرب بالشرق، و هي "المسألة" التي كانت مطروحة بحدة آنذاك.

III. القســـــم الثـــــالث:

الفصول:

7: العاطفة ؛

8: الذوق ؛

9: التعبير.


7- العاطفة : يتضمن هذا الفصل رسائل كتبها إدريس إلى شابة ألمانية و أخرى فرنسية و كلها تلخص أزمته العاطفية، ثم يختمها برسالة يوجهها من باريس إلى صديقه شعيب يسأله فيها عن أحواله و عن أخبار الوطن.

8- الذوق : و يتضمن هذا الفصل أوراقا يوضح فيها إدريس تعليقاته عن أشرطة سينمائية شاهدها و تأثر بها.

9- التعبير: و نجد في هذا الفصل محاولات قصصية عناوينها: الصومعة - الكهف - العائلة - الوجدان. و يختم إدريس فصله بـ "المحاضرة" و هي تلخيص لوقائع مشاركته في ندوة نظمتها إحدى جامعات ألمانيا الغربية، حول تجديد دراسة تاريخ إفريقيا.

تلك أهم الأحداث / الخطاب الذي تضمنته الأوراق الـتي كتـبها إدريس و أطرها شعيب و السارد بتحليلهما و نقاشهما و تقويمهما بغية إعطاء معنى لحيــاة و موت صاحبها.

ب- الحبكة intrigue

يعرف كتاب "معرفة القراءة"15 الحبكة باعتبارها رصدا للمبادئ و العوامل المتحكمة في تنامي الأحداث (دينامية النص) و تغيير الوضعيات (وضعية الشخصيات) و تطور مسار السرد.

و ما دامت "أوراق" غير خاضعة للكتابة السردية التقليدية التي تتضح فيها الأحداث ببدايتها و عقدتها و حلها، فإن حبكتها تأتي مخالفة لما تقتضيه هذه الأنماط المألوفة، فلا تتعاقب هذه الأحداث وفق نظام خطي سببي: يقوم على مبدإ السبب والنتيجة، و إنما تتعاقب وفق نظام تيماتي / موضوعاتي، يمكن اعتباره ممثلا للمبادئ التي شكلت حبكة "أوراق".

و هي مبادئ يمكن إجمالها في انطلاق جمع أوراق إدريس، و تدشين مشروع ترتيبها و تحليلها و مناقشتها من طرف شعيب و السارد، و بذلك ندخل عالم إدريس من خلال أوراقه / يومياته / مذكراته، فنساير مسيرته الحياتية / الذهنية انطلاقا من طفولته و دراسته الثانوية بمراكش و الرباط، ثم سفره إلى باريس لإتمام تعليمه العـالي و رجوعه بعد ذلك إلى وطنه.

و ترتبط هذه المرحلة / المسيرة بالتطورات التي حصلت بذهنه من خلال مكتسباته المعرفية عن طريق دراسته و مطـالعاته و مشاهداته و مواكبته للأحـداث.. و هي عوامل ساهمت في تعميق نظرته إلى الواقع و وعيه بمواصفاته، إنه وعي متطور مواكب للمسار المتطور الذي اختاره الراوي للأوراق المرتبة حسب تدرج حياة إدريس، و هكذا نلاحظ نضج التيمات تبعا لتطور سنه و وعيه من الطفولة إلى الشباب، انتهاء بالوصول إلى سن الرشد / "التعبير". إن هذا الترتيب الخاضع لهذا الوعي المتطور عند إدريس، و الذي نتابعه من خلال أوراقه، هو العنصر الذي تراهن عليه "الحبكة" لتضمن انسجام دينامية النص، فرغم تعدد مواضيع "الأوراق" فإنها كلها تتمحور حول رصد المسار الفكري و الوجداني لإدريس، و يضطلع الساردان بالمساهمة في تحقيق هذا الانسجام، فبتدخلاتهما عن طريق التأطير و الشرح و التحليل يساهمان في خلق عنصر الربط بين الآليات المتحكمة في مسار السرد.

هكذا نتابع تنامي وعي إدريس، الذي سيساهم بدوره في خلق أزمته الناشئة عن عدم الانسجام بين ما يحمله من رؤى و توقعات و ما يحفل به الواقع من مظاهر مخالفة، فتنشأ معاناته وجدانيا / عاطفيا / سياسيا: (يفشل في تجربة الحب، و يفشل مع واقع مغربي انتقل إلى مرحلة الاستقلال دون أن يحمل معه أحلام جيل المرحلة).

تلك "عقدة" إدريس الناتجة عن إحباطه و إخفاق طموحاته و خيبة آماله، و التي يحاول "حلها" عن طريق انعزاله و انكبابه على المطالعة و اكتساب المعرفة إلى حين "نهايته" / وفاته.

هنا يتدخل الساردان و يحاولان إعطاء خلاصة يوضحان فيها المعنى من حياة إدريس و موته، فيكون "تأبينهما" له وسيلة لإنهاء مسيرته الحياتية و الفكرية، و هي نهاية يجعلان فيها إخفاقه نصراً، لإنه "آمن" بما يجب أن يكون، و "كفر" بما هو كائن، "فأودى به إيمانه"16

ج- الرهان l'enjeu

تتحدد الطريقة التي تنتظم بها الأحداث في أية رواية عن طريق رهاناتها، فهذه الأخيرة هي التي توجه حبكة الرواية لكونها تبحث دائما عن أثر تخلفه لدى المتلقي17 .

فما رهانات "أوراق"؟

إن تعدد المحكيات في "أوراق" عبد الله العروي يؤدي إلى تعدد رهاناتها.

فالمحكي المؤطِّر (محكي شعيب و السارد) يؤكد على المستوى الظاهري رهانا واضحا تجلى في العمل على إخراج الأوراق إلى الوجود، خوفا عليها من الضياع، و خوفا على صاحبها من أن يطمس ذكره بعد موته، بذلك قدم شعيب الأوراق إلى السارد، و تعاونا فيما بينهما لتحقيق رهان ترتيبها و شرحها و تقويمها و توضيح ما غمض فيها، ليعطيا - مـن خـلال حـوارهما - معنى لحياة إدريس و إخـفاقـاته و مـوته، و قد اعتبرا ذلك كله انتصارا جعلاه "احتفالا" باربعينيته، يكشفان فيه حقيقة بعض أموره الغامضة، و يستحضران الأيام و التجارب التي كانت تجمعهما معه.

هكذا يحاولان تلخيص رهانهما في فصل "التـأبين" فيقابلان استنتـاجـهما و تقويمهما لإدريس و يتفقان على أنه كان ضحية مبادئه، و إيمانه بقيمه فـ "رفـض أن ينغمس في المسيرة، أن يتيه بين المراحل و المنازل"18 بذلك انساق وراء وعيه بالأشياء و خلفياتها، و لم يستطع حسه المرهف أن يصمد أمام ما وعى، فسقط ضحيته، لكن هذا السقوط لم يكن عبثا في نظر شعيب، بل شهادة "انتصر (بها) من هو أعلى من ذاته في ذاته."19 و تحول الإخفاق إلى نصر.

ذاك رهان "الحاشية"، أما رهان "المتن" أو المحكي المؤطَّر (محكي إدريس)، فيتجلى من خــلال الأوراق التي جــعلها صاحبها (إدريس) ملجأ من الهــزائم و الإخفاقات: سواء على مستوى التاريخ أو على مستوى الوجدان: لقد فشل في التأقلم مع واقع الاستقلال الذي لم يحقق الحلم المنشود، و الطموحات المعقودة، بل ساهم في خلق إحباطات نفسية ولدتها رواسب استعمارية لم ينقطع دابرها. و فشل في خلق انسجام متوازن مع المرأة، فخاطبها من خلال فكره دون وجدانه، و كأن نضج الأول لديه كان دون نضج الثاني، فوقع التناقض، و حصل الانفصال، و عاش إدريس نتيجة ذلك خواءً عاطفيا حاول أن يملأه عن طريق رسائل استوعبت مشاعره دون أن تتوصل بها صاحباتها.

من هنا يحس إدريس بالانفصال عن ذاته، فيحاول البحث عنها عن طريق الأوراق و ما تتضمنه من آرائه و مواقفه و أحاسيسه و مشاعره، فمثلت لديه النغمة المفقودة التي افتقدها في الواقع، و حاول تحقيقها عن طريق التحامه بما خطه قلمه، أراد أن يعرف ليخفف عن نفسه معاناتها و أثقالها، فهل حقق إدريس رهانه عن طريق ذلك؟ ألم تكن الحقائق التي اكتشفها في أوراقه ضربة قاضية لم يستطع تحملها، فذهب ضحيتها، متجرعا مرارته و حسرته، و بذلك "لم يكن في مستوى طموحه، كما لم يكن مجتمعه في مستوى آماله. مات كما مات غيره من العجز و الحسرة"20 .

و يبقى رهان النص، و ما حاول الكاتب تبليغه من خلاله، لقد أكد عبد الله العروي أن "أوراق" سيرة متفجرة من الداخل، تعكس كثيرا من ذاته، فالكاتب يلتقي مع إدريس في نقط متعددة، و قد سبقت الإشارة إلى هذا في القراءة التوجيهية، فماذا أراد أن يقول من خلاله؟ قد يكون الكشف عن الجوانب الخلفية من تاريخ المغرب أحد رهانات النص، فنواجه خيبة الأمل التي شعر بها الكثير في مرحلة الاستقلال، و التي كانوا يعتبرونها مرحلة تمثل صفحة جديدة تندثر فيها مخلفات الماضي، فإذا بهذه تظل تركة تواكب المرحلة بكل آلياتها.

و قد يكون إدريس رمزا للمثقف المحبط - و هذا رهان آخر - يعكس بحضوره صورة البطل المأساوي انفصل عن طموحاته، فكان موته رمزا لموت تاريخي، بل موت مجتمع بأكمله كما يؤكد عبد الله العروي نفسه عندما يتحدث عن طغيان تيمة الموت في أعماله، فيوضح أن "الموت ليس بالمعنى العادي، بل الموت التاريخي ليس موت الأشخاص، بل موت المجتمع.."21

و يمكن إضافة رهان أخير، يتجلى في رهان الكتابة و أنماطها، و هذا ما تطرحه أسئلة الفقرة التي ذيل بها الكاتب ظهر الغلاف: "عاش إدريس.. ثم مات.. تاركا أوراقه مبعثرة. هل مات بسذاجته؟ بتردده؟ بإيمانه؟ أسئلة يطرحها شعيب صديقه الوفي، و يحاول الراوي أن يجيب عنها من خلال ترتيبه و تأويله للصحائف الإدريسية. أين الحقيقة؟ في أقوال إدريس؟ في تصوراته و تطلعاته؟ في تصرفاته؟ في واقعه كما بدا لغيره؟ محاولة ربما يائسة لرصد سيرة فرد، و تربية جيل. محاولة ربما يائسة للتخلص من أنماط التعبير، و العودة إلى معاينة الأشياء."

إن محاولة التخلص من أنماط التعبير - حتى و لو كانت يائسة - معناها محاولة إحداث انفصال مع موروث لم يعد قادرا على مسايرة واقع معاين، و لعل هذا يحيلنا على رهان على مستوى عميق، يحاول الكاتب النهوض به، إنه رهان "الكتابة" الملائمة كما أشرنا، القادرة على التبليغ، جاء في "أوراق" : "إن المرء يستطيع دائما أن يستمر في تأليف روايات على نمط بلزاك، كما يستطيع أن يكتب بمساعدة القواميس ملحمة بالأكاديمية، لكن لأي قارئ؟ و بأي هدف سوى المحافظة على كنز لغوي موروث؟"22

أفلا يحق لنا أن نتساءل عن نمط و جنس الكتابة في "أوراق"؟ و هو الكتاب الذي يثير نقاشا حول امتزاج الأجناس الفنية (سيرية، و سيرذاتية، و روائية!).

إنه نقاش يعطي مشروعية اعتبار الكتابة الفنية عند عبد الله العروي بحثا عن هيكل يقع خارج دائرة التقليد، و يبتعد عن استعادة الأنماط الجاهزة و الاشتغال من داخلها.

في هذا السياق، يكشف الرهان في أوراق عن حرص العروي على تحقيق حلمه في كتابة جنس سردي شامل: موضوعي و ذاتي في آن واحد، يمتزج فيه الاجتماعي و السياسي و التاريخي و النقدي الأدبي بالذاتي و الباطني الذي يمتح من الطفولة و التربية و العلاقات العائلية و الإنسانية عامة.

و لعل صعوبة / استحالة تحقيق الصدق الكامل في فن السيرة التقليدي، هو ما حذا بالعروي إلى الحذر و الاحتياط، و تجنب الشروح و التأويلات فلا يصرح باسمه مباشرة، بل يختفي وراء شخصية إدريس، و يحقق "رهانه" عن طريقه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالسبت 17 فبراير - 7:29

د- دلالات وأبعاد الحدث signification et portées de l'action

إن تقييم دلالات الحدث لا يتم إلا بمعرفة علاقته بخصائص مرحلة إنتاجه و تلقيه23 ، من هنا وجب الحديث عن المرحلة التي تغطيها الأوراق و المؤثرات التي واكبتها:

لقد راهن شعيب و السارد على الاحتفال بعشرينية إدريس.. عشرين سنة في ظلمات الاحتلال، و عشرين سنة في نور الاستقلال24 .

و معنى هذا أن الحديث يتطلب استقصاء حياة إدريس خلال مرحلة الاحتلال الفرنسي للمغرب، و مواكبته لها بأفكاره و مواقفه، باعتباره فردا تنعكس عليه تربية جيل بأكمله: جيل مرحلة ما قبل الاستقلال و ما بعده، و الذي شعر بالهوة السحيقة بين الواقع و الأماني المتمثلة في حلم بمغرب مستقل و عصري، فإذا اللثام يكشف عن مغرب ما يزال يرزح تحت أثقال الرواسب المانعة من مسايرة برنامج فعال و منتج.

ألا يمكن أن نقول تبعا لذلك إن العروي يعود من خلال "أوراق" إلى مرحلة الاستعمار، لينبش في تاريخ هذه المرحلة - و هو المؤرخ الضليع - ليكشف عن أسباب التصدع، و جذور الداء لتحليلها و قطعها و الاعتبار بها، لقد حملت الأوراق إشارات كثيرة و واضحة عن ذلك، هي ربما محاولة - يائسة في نظر العروي - للبحث عن بداية جديدة، و الانتهاء من مرحلة قديمة، تتيح المحال لرؤيا معاصرة تنبثق من تجربة / سيرة ذاتية / غيرية تكشف عن "إيديولوجية عـربية معاصـرة"25 ، توازن بـين "العرب و فكرهم التاريخي"26 ، ليستطيعوا رصد "أزمة المثقفين العرب"27 و منهم إدريس، كاشفة "ثقافتنا في ضوء التاريخ"!28.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأحد 18 فبراير - 5:43

تقـويـــم القــــــــوى الفاعـــــــــــلة
Evaluer les Forces Agissantes


تسعى دراسة القوى الفاعلة إلى كشف كل ذات فاعلة تس اهم في دينامية النص السردي، إلا أن دور هذه القوى لا ينحصر في الكائنات الآدمية كما يوحي بذلك مصطلح "الشخصيات"، بل يشمل كل ذات فاعلة داخل النص، آدمية كانت أم غير آدمية، فقد تكون حيوانا أو جمادا أو قيما أو أفكارا...

نطلق إذن كلمة قوة فاعلة على كل واقع (حقيقي أو مجرد) يشارك في الفعل، و الكشف عن هذه القوى يتطلب تحديد طبيعتها و وظائفها، و نوعية العلاقات فيما بينها و وجهات نظرها.

و تتكون مداخل دراسة هذا المنظور من الخطوات الآتية:
أ.جرد القوى الفاعلة Inventaire des forces agissantes ؛
ب.أنماط الرؤية و التجليات النصية Modes de vision - Manifestations textuelles؛
جـ. الوضع الاعتباري للقوى الفاعلة و ديناميتها في النص Statut et dynamique des forces
د.آثار لعبة القوىeffets du jeu de forces

أ. جرد القوى الفاعلة Inventaire des forces agissantes

تنطلق دراسة القوى الفاعلة أولا من إعداد جرد لها، و لا يتخذ مثل هذا الجرد أهميته الكاملة إلا إذا بلغ أكبر قدر ممكن من
الشمولية و التنظيم.

و تعني
الشمولية : ضم جميع القوى الفاعلة، لكنه لا يحتفظ منها إلا بالتي لها أثر فعال في النص...

و يعني
التنظيم : أن يشير الجرد كذلك إلى طبيعة القوى الفاعلة، و يصنفها حسب هذه الطبيعة (جمادات، شخصيات، مؤسسات، حيوانات، أفكار، أحاسيس، وقائع، إلخ)45

انطلاقا من ذلك، يمكن التركيز على أهم القوى الفاعلة في "أوراق" :

و يتصــدرها "إدريس" باعتباره شخصية فاعلة / محورية، فهو موقِّع الأوراق، و حوله يدور نقاش السارد و شعيب. و الملاحظ أن "إدريس" شخصية تواجدت في روايات "العروي" السابقة، حيث يأتي ذكره في "الفريق"46 ، بل يقوم بأدوار أساسية في "الغربة"47 و "اليتيم"48 .

و هذا لا يعني أن "إدريس" شخصية تتنامى و تتطور خلال كل أعمال "العروي" الروائية، فكل عمل من هذه الأعمال ينفصل بذاته، و ما توظيف الأسماء نفسها إلا بدافع التجريب كما يؤكد المؤلف.

لكن تبقى لشخصية "إدريس" جاذبية خاصة لدى "العروي"، فهي شخصية تحمل ملامحه و صفاته و خصائصه، و كأنه بدل أن يتحدث عن نفسه و يصرح باسمه الشخصي في "أوراق"، يتحدث عن "إدريس"، و يختار هذا الإسم الذي يحمل دلالات و أبعادا متعددة، تتراوح بين الحمولات التاريخية و بين التأويلات التراثية، "فما سمي إدريس إلا لكثرة ما كان يدرس الصحائف"49 ، و الدراسة و الانكباب على المطالعة من أهم خصائصه في "أوراق". كذلك يستمد الاسم مقوماته التراثية من تسمية النبي إدريس عليه السلام.

و هـكـذا نستنتج أن العروي واع تمام الوعي بدلالة الإسم، بدليل إعجابه به و جعله رمزا من رموز عالمه الروائي.

و تكاد الأدلة تتراكم بخصـوص التطـابق بينهما، فمثلا تشـير رواية "الغربة" و رواية "اليتيم" إلى يتمه، و تؤكد "أوراق" ذلك باعتباره قد فقد أمه في صغره، فشعيب يخاطب50 السارد قائلا : "مات اليتيم، و أنت وارثه الوحيد"، بل إن كل الأشارات المذكورة في "أوراق" حول أسرة "إدريس" تدعم التطابق بينه و بين "العروي" الذي يوضح في إحدى المجلات : "فقدت أمي صغيرا، و عشت مع أبي الذي كان أقرب إلى أن يكون عصاميا في ثقافته... أفضال والدي علي كثيرة... و هذا ما يفسر حضوره القوي في مؤلفاتي الروائية... و في "أوراق" التي أودعت فيها شهادات عن طفولتي و مراهقتي..."51 .

كل هذه العناصر تجعل "إدريس" مرتبطا بالسارد / المؤلف، ليصبحا وجهين لعملة واحدة.

أما "شعيب" فهو صديق حميم لإدريس، نجده كذلك في كل روايات "العروي"، و من خلالها نتعرف على بعض ملامحه و خصائصه، فدلالات اسمه تحمل بدورها إيحاءات اجتماعية و دينية و إقليمية، و هو رمز تقليدي يضطلع بأدوار رئيسية في المجتمع، و يقترن بمنطقة دكالة التي تشمل مدينة أزمور (الصديقية)، كما يلقب "شعيب" بالفقيه نظرا لتكوينه الديني، و ثقافته التقليدية، و زهده و تصوفه، و هو أيضا سياسي مناضل في الحركة الوطنية.

و في أوراق"، يقوم "شعيب" بدور طلائعي، فظاهر النص لا يوحي بارتباط السارد بإدريس ارتباطا قويا، بخلاف "شعيب" الذي يقدمه النص صديقا حميما له، فهو الحائز على أوراقه، العليم بها، و القائم على ترتيبها و تنظيمها.. بل يكاد يكون صورة منه "كنت أرى أنه مرآة تنعكس فيها روحي، و أنا مرآة تنعكس فيها روحه"52 ، "هذا ما قاله الشبه لظله ذات ليلة باردة..."53 .

و هكذا نجد أنفسنا أمام شخصية تمتزج و تندمج مع "إدريس"، وسابقا أشرنا إلى اندمـاج إدريس مع الســارد / المؤلف! فهـل يكون الثلاثة (إدريس و السارد و شعيب) صورة متعددة لذات واحدة؟!

إن "أوراق" توهم بتباعد المسافة بين هذه الشخصيات، لكن واقع النص يكسر هذه المسافة و يلغيها، بل يخلق التقارب بينها، فالشخصيات المتفاعلة في "أوراق" غير متعددة، بذلك تتداخل أصوات السارد و شعيب و إدريس. ثم، ألا يمكن اعتبار السارد و شعيب - من الناحية المعرفية - وجهين يعكسان رؤيتين مختلفتين و متكاملتين في الآن نفسه؟!

- فشعيب يمثل الرؤية التقليدية الأصيلة.

- و السارد يمثل الرؤية الحديثة.

بـذلك يجمعـان بين تراثين : عربي و غربي، يمتحان من القديم و الحديث، و ينفتحان على مجالات متعددة، و أجناس فنية مختلفة، فيكون حوارهما منطلقا من هذه الأرضية، يلتقيان من خلالها مع "إدريس"، ليصبح الثلاثة ذاتا واحدة، تتمرأى عن طريق هذه الفواعل / الشخوص. و هكذا تتجلى ظاهرة التمرئي في "أوراق"، حيث يبني المؤلف نصه على مستوى شخصيات متضادة في سياقها.. لكن لا يتم النظر إلى إحداها إلا بقياسها إلى الأخرى، أو لا يكون اكتمال شخصية بصورة تامة إلا بالنظر إلى شخصية أخرى موازية.

هكذا يمكن اعتبار الرموز الثلاثة (شعيب، السارد ، إدريس) شخصيات رئيسية / محورية في أوراق، لكن هناك شخصيات أخرى يمكن اعتبارها شخصية مرجعية، نستمدها من خلال المسار الذهني لإدريس، حيث تتم الإشارة إلى فواعل أخرى، تختلف حقولها المرجعية من :

سياسية : (محمد الخامس - ديغول - فيليب بونيفاص - منديس...) ؛

إلى
أدبية : (طه حسين - مارسيل بروست - جبران خليل جبران - ميخائيل نعيمة - بول إلوار...) ؛

و
فلسفية : (ديكارت - نيتشه - أرسطو - أفلاطون) ؛

و
عائلية : (الجد - الأب - الأخ - زوج الأخ - أبناء العم - مرجانة...)؛

و
عاطفية : (مرجانة - الفتاة الفرنسية - الفتاة الألمانية - مارية) ؛

و
مكانية : (أزمور "الصديقية" - مراكش - الرباط - باريس - ألمانيا) ؛

و
مؤسساتية : (العائلة - المدرسة - الثانوية - الجامعة - الاستعمار - الحركة الوطنية...)

و كلها قوى فاعلة تمثل وظائف مختلفة، و ترتبط بإدريس، بل تساهم بالفعل أو بالقوة في إفراز "قوى فاعلة" أخرى تجريدية، لها دورها التأثيري القوي على إدريس"، و يمكن اختزالها في صورة موضوعات /تيمات منها ما هو :

أ- وجداني : و نشير إلى الإخفاقات الوجدانية و العاطفية، سواء على مستوى الأم (فقدانها - يتمه) أو على مستوى العلاقة بالأنثى (مرجانة - الفتاة الفرنسية - الفتاة الألمانية - مارية..) و الانخراط في علاقات غرامية فاشلة.. اقتصر فيها على مخاطبة المرأة كتابة عن طريق رسائل لا يرد عليها (ربما لم تُرسَل قط).. و كأنه كان بحاجة فقط إلى مخاطب يصغي إلى ما يضطرب في أعماقه من آلام و أحزان ؛

ب- إجتماعي : لقد كان هذا الفراغ العاطفي (قوة فاعلة) أدت بإدريس إلى الاحتمـاء بالانطواء و العزلة.. و هي حالة تضاعفت في باريس و أدت إلى الوحدة و الاستماع إلى الذات، و العكوف على العلم و كتابة "أوراق" ندر فيها تجسيد علاقة مع الجماعة.. فعزلة إدريـس / المثـقف المحبط هي "عزلة المثقف العربي في هزائمه و إخفاقـاته" ؛

جـ- سياسي : فـمن القوى الفاعلة أيضـا : هناك مفهوم (الثقافي و السياسي) و تأثيرهما على إدريس، الذي جمع بين "المثقف" لكونه يملك أفكارا و معارف، و بين "السياسي" الذي يمثل موقفا مناهضا للمستعمر في مظاهره المختلفة (كرده على الكتابات المبررة لسياسته، و تصوراته لبرامج إصلاحية في مرحلة الاستقلال). لكن أحلامه بمغرب جديد يسير شؤونه بطريقة عصرية منطقية قد تكسرت في مرحلة الاستقلال، عندما تأكد من استمرار الرواسب السلبية، و أيقن أن المشرفين على إدارة البلاد هم الطلبة (الانتهازيون / الفوضويون) الذين عاينهم بباريس، ثم رجعوا إلى المغرب و تكالبوا على المناصب.. و هذا بدوره عنصر يمثل قوى فاعلة دفعت بإدريس إلى الإخفاق و التعويض بالاستمرار في الانكباب على المعرفة.

د- معرفي : انخرط إدريس في المدارس الأجنبية، و تأثر بالثقافة الغربية الحديثة، مما ساعده على تكوين وعي نقدي متقدم، دفع به إلى محاولة اكتشاف ذاته و العالم الذي يحيط به.. و من خلال ذلك استنتج أن الحضارة الحديثة / الغربية تشكل عنصرا مواجها، يهدد كيانه و تراثه لأنها تمثل ثقافة تحاول في عمقها أن تفصل بينه و بين مجتمعه و حضارته، و تراثه. إنها ثقافة خلقت في ذهنه وعيا مزدوجا، متوزعا بين حضارتين (عربية و غربية).. من هنا تكون هذه المعرفة (قوة فاعلة) تحدد سلوك إدريس، و تنظم مواقفه تجاه واقعه... و من جانب آخر، قد تكون هذه المعرفة /الوعي، قوة مساهمة بصورة أو بغيرها في فشله العاطفي.. (كان نضجه الفكري طاغيا و غير متوازن مع نضجه العاطفي).

من خلال هذا يتضح لنا أن إدريس يشكل قوة فاعلة أساسية، حيث يحتل مساحة واسعة في النص، فيحضر باستمرار داخل "أوراق"، و ذلك من خلال ما كتب عنه من طرف السارد و شعيب، إذ مثل بالنسبة لهما مرجعية للعملية السردية التي حللا و ناقشا من خلالها وجهات نظرهما.

إضافة إلى إدريس و شعيب و السارد، لاحظنا فواعل أخرى تراوحت بين الشخصيات المرجعية المؤثرة في ثقافة إدريس، و الأمكنة التي مر بها في حياته و تركت أثرها عليه، و الوقائع و الأحداث التي فرضت عليه عدم الحياد، و اتخاذ موقف تجاهها، إضافة إلى المؤسسات و المشاعر و الأحاسيس المتعددة و المتنوعة.

كل ذلك نعتبره قوى فاعلة يمكن تأطيرها و تلخيصها عبر الجدول الواصف التالي :


دراسة المؤلفات Awraq_12
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأحد 18 فبراير - 5:48

ب.أنماط الرؤية و التجليات النصية Modes de vision - Manifestations textuelles

إن جرد القوى لا يكمل إلا بعرض أنماط رؤية هذه القوى، و مدى تجلياتها النصية و تمظهراتها، أي درجة حضورها في النص، الأمر الذي يساعد على تقييم صحة الأخبار المعطاة عنها و اعتبار مصدرها، بذلك نتعرف على مواصفاتها و ما تضطلع به من أدوار فاعلية Actoriels، و ما تقدمه من معلومات حول الترتيب القيمي المفتوح في النص.

فإدريس كما رأينا يشغل مساحة واسعة في النص، تؤهله لأن يحتل دور "الشخصية الرئيسية"، لكن الكاتب لا يكشف عن مواصفاته و رؤيته انطلاقا منه وحده، بل نراه يقحم السارد و شعيب ليساهما و يساعدا في توضيح ذلك.

و هـكذا، نكتشف أن "إدريس" يمثل رؤية المثقف العربي الذي يؤمن بمواقفه و يتشبت بها، و تتلخص في إيمانه بقضيته الوطنية التي يحاول أن يجعلها سامية تتنزه عن كل مصلحة مادية، هذه المصلحة التي تشكل رؤية أخرى، يجسدها الطلبة الفوضويون الذين سارعوا إلى العودة من فرنسا إلى المغرب بعد إعلان الاستقلال، للتكالب على المناصب و اغتنام الامتيازات..

و لعل هناك رؤية أخرى يعكسها النص، و تتجلى في تبني و استغلال المستعمر لبعض مواقف الأدباء المغاربة فيستثمرها لصالحه و هذا ما لاحظناه في المواجهة بين إدريس و الكاتب المغربي إدريس الشرايبي من خلال كتابه "الماضي البسيط" Le Passé Simple، حيث حمل عليه بعنف إلى درجة تجريده من وطنيته و اعتباره بوق دعاية للتوجهات الاستعمارية "تقول إنك مغربي، و لكنك مغربي من نوع خاص، منخدع متهافت منحط. إنك لا تمثلنا في شئ. اسرد، حلل، اشرح، صور، مهما تفعل إنك لن تصور إلا ذاتك. بئيس أنت، لا فائدة في عملك و لا نفع. تتزين ليحبك الأجنبي الذي لا يهوى سوى الأمور الغربية الشاذة الخلابة التي تكرس أوهامه عنا"54 .

تساهم التمظهرات النصية أيضا في إعطاء مساحة واسعة لكل من شعيب و السارد الذين يساعدان على تحديد رؤية إدريس. لكنهما بدورهما يمثلان رؤيتين مختلفتين، و قد سبقت الإشارة إلى ذلك عند توضيح رؤيتهما الثقافيتين المتعارضتين / المتكاملتين : الرؤية التقليدية الأصيلة لشعيب، و الرؤية الحضارية الحديثة للسارد، و هما رؤيتان تتضافران لتقديم إدريس كقوة فاعلة نزيهة تجسد كل القيم المنتشرة في النص. و الملاحظ أن رؤية السارد تبدو قريبة جدا من رؤية إدريس، فكلاهما يمتلك ثقافة حديثة (مما يساهم في المطابقة بينهما كما سبقت الإشارة).

و رغم الطابع التقليدي لثقافة شعيب، فإن روح التعاطف مع حالة إدريس و معاناته و مأساته هي ما يجمع بين السارد و شعيب، فمن خلال تثمينهما لقيم إدريس و تنديدهما بما يعاكس ذلك، يكشف النص عن رؤيته و توجهه.

جـ. الوضع الاعتباري للقوى الفاعلة و ديناميتها في النص Statut et dynamique des forces

تقودنا عناصر المحور السابق إلى تحليل الوضع الاعتباري Statut للقوى الفاعلة و لديناميتها في النص.

إن الوضع الاعتباري للقوى الفاعلة هو الوظيفة الممنوحة لكل واحدة منها، في الأشكال العامة لعلاقاتها. إن المؤشرات الكمية لتجلياتها النصية لا تكفي لاستخلاص وضعها الاعتباري، لكنها يمكن أن تساعد على ذلك بإعطاء نقطة انطلاق.

إن القوى الفاعلة التي تظهر رئيسية حسب أهمية تجلياتها النصية، ستكون أول ما نحاول وضعه في المرتبة الأولى لنضع انطلاقا منها الأشكال العامة للوظائف العاملية Fonctions actantielles55 .

و للتذكير فإن هذه الوظائف تتوزع حسب نموذج كريماص العاملي A. J. Greimas (modèle actantiel)56 إلى :

مرسِل Destinateur : يتوفر على قوة إعطاء (شئ، أمر) يحدث (في حالة إعطائه) أو يعيق (في حالة رفضه) حركة الفعل ؛

مرسَل إليه Destinataire : يتلقى الشئ / الأمر؛

ذات Sujet : ترغب أو تهدف أو تتابع شيئا أو حاجة أو شخصا ؛

موضوع Objet : مُعطى أو مبحوث عنه ؛

مساعدون Adjuvants : يعينون على تحقيق الموضوع ؛

معارضون Opposants : يعرقلون تحقيق الموضوع،

و كلها "فواعل" Acteurs تستطيع القيام بـ "أدوار عاملية" تختلف باختلاف ماقعها و وظائفها، و تتحدد معالمها في علاقة الرغبة (بين الذات و الموضوع القيمي) و علاقة التواصل (بين المرسل و المرسل إليه) و علاقة الصراع (بين العامل المساعد و العامل المعارض).

و يلخص كريماص ذلك بقوله "تتجلى بساطة النموذج العاملي في كونه يتمحور كله حول موضوع الرغبة المستهدف من طرف الذات، و المتموضع باعتباره موضوعا للتواصل بين المرسل و المرسل إليه، و تتغير رغبة الذات من جهتها حسب مساعي المساعد المعارض"57 ، و قد اقترح خطاطة من ست وظائف كالتالي :

.......

و هكذا يمكن القيام بعدة خطاطات أو بنيات عاملية ترتبط بكل قسم أو فصل أو ورقة من "أوراق" "إدريس".

لكن - و بصفة إجمالية - يمكن اختزال بنيتين من "أوراق".

فلقد سبقت الإشارة إلى أن "أوراق" تتميز بطبقتيها السرديتين : (المحكي الإطار) و (المحكي المؤطَّر) أو (الحاشية و المتن).

و بناء على ذلك، يمكن استخلاص خطاطتين للبنية العاملية :

- خطاطة تخص المحكي الإطار

- خطاطة تخص المحكي المؤطَّر
.......
من خلال الخطاطتين، يمكن رصد العلاقات التي تؤطرها السياقات العامة "الأوراق"، و ما تستغله من موضوعات حتى تتمكن الذات من الموضوع القيمي، الذي تكون في السابق منفصلة عنه و تسعى إلى الاتصال به بعد قطع مسالك معينة فتحقق المرغوب فيه.

و هـــكذا نجد أن الذات 1 (إدريس) رغم أنها حققت كتابة الأوراق، و أصبحت في وضعية اتصال أولي، لم تستطع معايشة الحلم المتمثل في مغرب جديد معــاصر في مرحلة الاستقلال، لأن هناك عاملا معارضا تمثل في مخلفات الاستعمار و التسيير السلبي الذي مثله من تقلد المناصب الإدارية آنذاك، و هم الطلبة المعارضون / الفوضويون / الانتهازيون الذين عاينهم إدريس في مرحلة الدراسة بباريس، فبقيت الذات 1 (إدريس) تجتر أحلامها منفصلة عن موضوعها الذي كانت ترغب فيه.
أما الذات الثانية 2 (شعيب و السارد) فقد استطاعت تحقيق رغبتها عن طريق جمع الأوراق و إنشاء سيرة ذهنية تكشف عن نوايا إدريس و مقاصده و إعطاء قيمة لحياته و موته.

و مع ذلك، فإن اعتبار شعيب و السارد و إدريس صورة لذات واحدة يجعلنا نصل إلى المعادلة التالية :

بما أن ذ1 منفصلة عن م

و بما أن ذ2 متصلة مع ذ1

إذن فــ ذ2 منفصلة عن م أيضا

و توضيح ذلك أن الذات 1 التي يمثلها إدريس قد انفصلت عن الموضوع المرغوب فيه.

و أن الـذات 2 لم تحقق موضـوعها الأسـاس / موضـوع إدريس (الشبيه و المثيل)، و التواق إلى حلمه المنشود!!


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأحد 18 فبراير - 5:51



د.آثار لعبة القوى Effets du jeu de forces




"تنــطلق آثـار علاقات القوى الفاعلة من ديناميتها التي تساهم في خلقها، و تتجلى هذه الآثار في أنواع متعددة :

- إن تردد حالات تنوع التوازن يخلق إيقاعا عاما للنص، يقدم للقارئ نوعا من المتعة المحددة، وييسر له تذكر الوضعيات الأساسية.

- وتؤدي المقارنة المنهجية بين الوضعيات-المفاتيح إلى الكشف عن القوى الطامحة إلى الهيمنة، والقوى الساعية إلى التراجع، ويمكن لهذه التراتبية أن تناقض ما يصرح به النص، وتكشف عن مضمراته الإيديولوجية( التي قد تغيب عن الكاتب نفسه).

- من خلال الأشكال العامة للوظائف، تظهر قوة فاعلة مركزية، تؤثر بمكانتها وحركتهاعلى القوى الأخرى مباشرة، ويؤدي غيابها إلى الإلغاء الفوري للعبة القوى، وليس من الضروري أن تكون هذه القوى رئيسية، بمعنى أنها لاتحتل دائما مكانة مهمة في النص، ولكن من الضروري تمييزها لفهم أية دلالة رمزية يتخذها النص.

- ومن خلال المحتوى والتواصل، يخلق كل نص علاقة قوى مع قرائه، وعلى الرغم من أن إشكالية (النص) قد لاتكون مطابقة حرفيا لما يطرحه العصر، فإن هدفه الرئيسئ يبقى محافظا على معنى معين بالنسبة للقارئ المعاصر.

فعلاقات القوى مع القراء هي المؤسسة لميثاق القراءة.

- عن طريق تحليل حقل الحقائق والتراتبيات والآثار المعتمدة لمساندة كل قوة، يستثمر القارئ النص بقراءته الخاصة، ربما قد ينزاح عن الميثاق، لكنه يكشف عن الديناميات العميقة وبذلك يكسب معرفة حقيقية"58 .

تلك أهم التفسيرات التي أوضح بها كتاب "معرفة القراءة" (S.L.) محور آثار لعبة القوى، فكيف يمكن تطبيق ذلك على أوراق؟

إن أهم ما يمكن الإشارة إليه في هذا المحور المرتبط بمنظور تقويم القوى الفاعلة في أوراق، هو أن آثار القوى تنطلق من تردد حالات التوازن و عدمه:

فإدريس كشخصية محورية يخلق أزمته عن طريق إخفاقه في مجالات أهمها ما يتعلق بالعاطفي و السياسي: فقد أخفق في علاقاته مع المرأة، كما أخفق في طموحاته السياسية التي أحبطت آماله في الحلم بمغرب مستقل متخلص من كل رواسب المستعمر. هذه العناصر تشكل (حالة اللاتوازن) الأولى في النص.

ثم نجد إدريس يلجأ إلى كتابة أوراقه بحثا عن "خلاصة"، أو عن النغمة المنشــودة، فيفجر في الكتابة كل ما يعتمل في صدره، و ما تنطوي عليه نفسيته، و كأن "الأوراق" عزاء للنفس، و تسلية للخاطر، و هذا يشكل (حالة التوازن) الثانية.

لكن الكتابة لا تلغي الواقع المأزوم، و يبقى إدريس يجتر آلامه، و كأنه "بطل مأساوي" يصارع طواحين الهواء، و بذلك نعود مرة ثالثة إلى (حالة اللاتوازن)، ليتدخل السارد و شعيب و يحاولا أن يخلقا من هذا "الإخفاق" نصرا يعكس "إيمان" إدريس بقيم نزيهة تتبلور في صدق الوطنية و رفض الانغماس في "مارطون" الانتهازية و الجري وراء المصالح التي مثلها "الطلبة الفوضيون" حسب تعبير النص، و رغم أن هذا "الإيمان" قد كان قاتلا، حيث ذهب إدريس ضحيته، فإن ذلك كان محاولة رابعة لإعادة (حالة التوازن).

هكذا نحس كقراء، أن تردد هذه الحالات يخلق إيقاعا عاما للنص Un Rythme Général du Texte يمنحنا لذة أو متعة تسهل علينا مسايرة الأرضية السياسية و الاجتماعية التي ينطلق منها.

كذلك نجد أن إدريس قوة فاعلة رئيسية يصعب حذفها من النص دون خلق تـأثير سـلبي، تنعدم معه الغـاية من "أوراق"، فبدونه يلغى دور كل من السـارد و شعيب لأن تعليقاتهما في المحكي الإطار ترتكز على مضمون المحكي المؤطَّر (الأوراق)، و عن طريق إدريس يمرران القيم التثمينية التي تعكس إيجابيات هذه القوى الفاعلة (إدريس)، التي تهيمن على باقي القوى الأخرى التي تتراجع أمامها (الطلبة الفوضويون - إدريس الشرايبي - أستاذ الفلسفة الفرنسي...)

من هنا يكون إدريس قوة تعكس عينات إيديولوجية مؤثرة، و مساهمة في (إعادة التوازن) لكل الحالات الاجتماعية و الساسية السلبية. و هي عينات يمثلها السارد و شعيب أيضا، بحكم تعاطفهما مع إدريس، ثم إن هذا التعاطف يعكسه الكاتب نفسه، حيث تكشف المقاطع السردية كثيرا من جوانب هذه الحالة.

و لعل هذه العينات الإيديولوجية هي التي يحاول النص أن يخلق من خلالها "ميثاق القراءة" مع القارئ، فالعودة إلى مراحل سياسية و اجتماعية من حياة إدريس، و من خلال أوراقه، تعكس محاولة جديدة لتفسير مظاهر مرحلة تاريخية عاشها المغرب في الماضي، (و قد سبقت الإشارة إلى المرحلة التاريخية التي توقفت عندها الأوراق)، لكنها مع ذلك تثير إشعاعات أو تمرئيات يعكسها الواقع الحاضر، و بذلك تعكس أهدافا إصلاحية جذرية تراهن على تحقيقها مستقبلا، و تنطلق من الطموح إلى تجاوز و إلغاء كل "الأشباح" العائدة59 من الماضي !!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأحد 18 فبراير - 5:59

تحليل البـعد الاجتماعــي
Analyser la Sociologie

"إن المقاربة السوسيولوجية للنص، و المتضمنة للوقائع الاجتماعية و التاريخية تعكس ثلاث صعوبات:

- الأولى ترجع إلى ازدواجية العلاقات بين النص و المجتمع ؛ فهناك شئ من (الاجتماعي)، و في نفس الوقت يمثل النص قطعة مدمجة في الحياة الاجتماعية و الثقافية. هذه الصعوبة تطرح أحد مبادئ هذه المرحلة من القراءة ؛ و تتمثل في المقارنة المستمرة -ما أمكن- بين ما يقوله النص عن مراجعه و بين السياقات التاريخية و الاجتماعية و ما قُدم عنها من معلومات مستمدة من التاريخ و المجتمع (و يستدعي هذا توفر الوثائق).

- كل شئ في النص يمكن أن يعكس الجانب التاريخي، حتى و لـو اعتبرنا فقط أن اللغة التي يستعملها توافق وضعا اجتماعيا خاصا. بذلك يكون أحد الأهداف الرئيسية للدراسة هو تحديد الحقل الاجتماعي التاريخي، بمعنى مجموع الأوصاف التي يقدمها عن العالم الاجتماعي. بدون ذلك تكون علاقات النص مع المجتمع غامضة إلى درجة يصعب معها دراستها دون اعتماد ما ذكرناه.

- إن طبيعة مواضيع هذه الدراسة تشكل صعوبة في حد ذاتها ؛ فهي جميعها موسومة بالإيديولوجيا (بالتضمينات)، بل أكثر من ذلك، فهي لا تدرك إلا من خلال أيديولوجيا القراء (و لو صيغت وفق أنساق نقدية). و تبقى التعرض لهذه التضمينات ممكنا انطلاقا من ملاحظات دقيقة حول النص و تقييم التحريفات التي يحملها للواقع مع تحديد مسبباتها، و هذا ما يمكن من إبراز الدلالات التاريخية."59

فالغرض من هذا المنظور هو دراسة الوقائع الاجتماعية و التاريخية في النص السردي و الكشف عن مراجع النص و سياقاته في هذا المجال و عن مضامينه الإيديولوجية الخفية.

و تستدعي دراسة هذا المنظور الخطوات التالية :

أ.الحقل الاجتماعي التاريخي Champ Socio-historique ؛

• وقائع اجتماعية Faits Sociaux

• فئات اجتماعية Catégories Sociales

• قيم و أنساق فكرية Valeurs et Systèmes de Pensées

ب.النص في المجتمع و التاريخ Le Texte dans la Société et l’Histoire ؛

• التكون Genèse

• التلقي Accueil

جـ. الدلالات الاجتماعية و التاريخية Les Significations Socio-historiques ؛



أ.الحقل الاجتماعي التاريخي Champ Socio-historique


يكتب إدريس في "أوراقه" عن مواقفه المختلفة تجاه واقع عاشه و تقلب في أجوائه عبر أزمور - مراكش - الرباط - باريس، و هي فضاءات تابع ضمنها مرحلة زاوجت بين زمن الاحتلال و زمن الاستقلال، و تحرك فيها بفكره و مواقفه الإيديولوجية.

بذلك مثل إدريس/الكاتب في الأوراق علاقة مثقف بمجتمعه، و هي علاقة يمكن تقسيمها - حسب ما سبق - إلى مستويين :

1- المجتمع على المستوى المحلي : الأسرة - الدراسة - الوطن.

2- المجتمع على المستوى الخارجي : مرحلة باريس و التعليم الجامعي.

إنها ثنائية تحيل حسب المرحلة التاريخية و ظروفها على علاقة الوطن (الممثل للطموح إلى الاستقلال)، بالخارج (الممثل لسلطة الاحتلال).

"و ينطلق تحليل الحقل الاجتماعي التاريخي للنص أولا من جرد محتوياته الجلية في هذا الميدان"60 ، و تتكون من الوقائع الاجتماعية التي تعلق عليها الأوراق، و ما تشير إليه من فئات اجتماعية تحرك هذه الوقائع، و تفرز قيما و أنساقا فكرية يمكن عرضها حسب الجدول الواصف التالي:

قيم و أنساق فكرية Valeurs et Systèmes de Pensée
- الموقف المعادي للمستعمر.
- المواقف السياسية المتناقضة تجاه القضية الوطنية:
- موقف يقبل الحوار،
- موقف يرفضه.
- الوعي الوطني:
- الإيمان بالإصلاح،
- الإيمان بالمقاومة
- السياسة كمبدأ و معاناة.
- السياية كحرفة:
- اقتناص الفرص،
- التسابق نحو المناصب.
- الإحباط و الإخفاق،
- التيارات الفكرية التي شكلت وعي إدريس.
- ...


فئات اجتماعية Catégories Sociales
- إدريس كرمز للفئة المصقفة الواعية؛
- رموز الحركة الوطنية (محمد الخامس، علال الفاسي..)؛
- السائرون في تيار الموقف الاستعماري؛
- الطلبة الفوضويون المنتهزون للفرص؛
- رجال المقاومة؛
- الخونة و الانتهازيون؛
- ...


وقائع اجتماعية Faits Sociaux
- الاحتلال الاستعماري الفرنسي للمغرب؛
- اهتمامات الشرائح الاجتماعية بالتطورات السياسية الوطنية؛
- انعكاس القضايا الوطنية بتناقضاتها على النشاط الطلابي بباريس:
- تحزب الطلبة،
- مواجهة الطلبة الفوضويين،
- انتقاد إدريس الشرايبي،
- نفي محمد الخامس؛
- تنصبنعرفة؛
- الاحتفال بعيد العرش؛
- نشاط الحركة الوطنية؛
- اشتداد المقاومة؛
- ثورة الشعب؛
- ...


يقدم الجدول حقلا سوسيو-تاريخيا يحيل على عقد الخمسينيات من هذا القرن، و ما شهده من ترسيخ الاستعمار في المغرب بعد انتهاء وقائع الحرب العالمية الثانية (زمن الأوراق 1965-1951)، و عدم تحقق الوعود الفرنسية - بعد الحرب - بمعالجة الأوضاع الوطنية المغربية، إضافة إلى ما عرفته المرحلة من تطورات تميزت بظهور الـحركـة الوطـنـية و بزوغ مظاهر المقاومة المسلحة، إثر نفي المرحوم محمد الخامس و محاولة تنصيب شخصية مزيفة على العرش (بنعرفة).

أما النسيج الاجتماعي الذي انتظم أحداث النص، فيتكون أغلبه من فئات مثقفة، يقف إدريـس على رأسها رمزا لطبقة واعية تتابع الأحداث الوطنية و تناقشها و تحلل قضاياها و تستشرف آفاقها المستقبلية. و هذا يحيل أيضا على تيار الحركة الوطنية التي مثلت عنصر إصلاح عن طريق الوعي، و تبني مشروع يهدف إلى ترسيخ المقومات الوطنية العربية الإسلامية في فئات المجتمع و توعيتهم بهويتهم... و في هذا الإطار يناقش إدريس أباه، و يعارض تصورات إدريس الشرايبي في كتابه "الماضي البسيط"، كما يشير إلى بعض الشخصيات الوطنية الممثلة للإصلاح على مستوى الزعامة، حيث نجد حديثا عن علال الفاسي و كتابه "النقد الذاتي" الذي صدر في أواخر الأربعينيات، و لخص فيه مشروعا إصلاحيا مستقبليا يسير على ضوئه مغرب مرحلة الاستقلال.

كـذلك نجـد الفئة الممثلة للوجهة المناقضة، و على رأسها الاستعمار الفرنسي و الممثلون لإديولوجيته المتلخصة في التنقيص من المشروع الإصلاحي الوطني، و اتهـام أصحـابه بالتحـالف مع الشيـوعيين لزحزحة الرابطة القوية بين الوطنيين و المرحوم محمد الخامس، و كذا للتأثير على السياسة الأمريكية في هذه المرحلة.

و قد واكبت المرحلة سياستان فرنسيتان متعارضتان:

- سياسة تدعو إلى فتح باب الحوار و التفاوض مع الملك و ممثلي الحركة الوطنية ؛

- سياسة ترفض ذلك كله و تحاول فرض سياسة الأمر الواقع.

من هنا كان إدريس ذاتا معرضة لكل هذه التـأثيرات التي جعلت منه شخصية وطنية مؤمنة بهويتها، متشبتة بمقوماتها، معتبرة الاستقلال قضية حيوية لا محيد عنها باعتبارها مرحلة حاسمة لبداية انبثاق مغرب عصري صناعي و منتج.

و هنـــا يحيل النص على تطور الواقع المغربي و انتقاله إلى مرحلة الاستقلال، و ما عرفته من عوائق في بناء هذا المغرب الجديد بسبب الرواسب التي صعب تجاوزها، و التي شكلتها ظروف المرحلة الانتقالية.

و هنا يشعر إدريس بالفرق الهائل بين أحلامه السابقة و تطلعاته إلى استقلال يكون خطوة أساسية للبناء، و بين الواقع الذي واجهه بعد معاينته لمغرب تسابقت شريحة إلى تقاسم إرثه الاستعماري، و هي شريحة يعرفها حق المعرفة، حيث عاينها في مرحلة الدراسة بباريس، و أشار إليها بالطلبة المتقاعسين و الفوضويين، بذلك بدينهم في "أوراق" و يحملهم موؤوليتهم التاريخية بسبب سوء تدبيرهم و تسابقهم على مصالح فردية لا تكاد تختلف عما كان عليه الأمر في مرحلة الاحتلال، بل يعتبرهم أشباحا عائدة في عصر الاستقلال، تعكس نسخة لوجود استعماري سابق، لخصه إدريس بقـوله: "حلمنا بمغرب شاب للشبان، مغرب عادل حازم ينظر إلى الأمام و يعمل بهمة و طموح، فكشف لنا عن مغرب شيخ للشيوخ، ينبذ كل يوم مقياسا جديدا من مقاييس العصر. كنا طفيليين في مغرب الأجانب، و ها نحن أجانب في مغرب الأشباح العائدة"61

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
narjiss17

narjiss17


عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 29/11/2006

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأحد 18 فبراير - 6:01

ب.النص في المجتمع و التاريخ Le Texte dans la Société et l’Histoire


و يكـشف هـذا المحـور عن المكانة التي يحتلهـا النص في المجتمع و التاريخ، و يقتضي ذلك أن نتعرف بدقة على "تكونه" (sa genèse) و "التلقي" l’accueil الذي حظي به، الأمر الذي "يتمم و ينير غالبا دراسته الداخلية":


• التكون Genèse:

و نحتـاج هنا إلى معـرفة تاريخ و شروط نشر النص، و معرفة مصادره و مناصاته التي يكشف عنها، كذلك لا يمكن التخلي عن معرفة نمط التواصل الذي يقصده (إخبار - وعظ - جدل - تسلية، إلخ) و الجنس الأدبي "genre" الذي يمثله و مدى مطابقته لذلك. من جهة أخرى، فإن دراسة التكون يمكن أن تسمح - من خلال وقائع مؤكدة تاريخيا - بمعرفة نوع العلاقة التي تربط النص بالظواهر الاجتماعية و التيارات الفكرية."62

كل هذه معلومات خارجة عن النص، لكنه يحمل منها آثار تلاحظ ارتكازا على مؤشراته التي تسمح بوضعه في الحقل الأدبي و الثقافي لعصره.

انطلاقا من هذه المعطيات، يمكن أن نشير إلى تاريخ نشر "أوراق" سنة 1989، و نتعرف على خصائصها باعتبارها نصا سرديا يصنفه عنوانه الفرعي في خانة "السيرة الذهنية"، و قد سبقت الإشارة في القراءة التوجيهية و عند الحديث عن "الجنس"، إلى أن عبد الله العروي يحاول التجديد في هذا المجال، حيث ارتكز في عمله هذا "أوراق" على كتاب قديم لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي عنوانه "الأوراق" و هو عبارة عن نصوص مختارة (متون) علق عليها صاحبها في الحواشي. من هنا يكون الكاتب قد استأنس بـ"الأوراق" لـ"يُكَوِّنَ" عمله التخييلي التجريبي الذي رصد فيه المسار الفكري لإدريس، فيجرب تقنية جديدة في كتابة السيرة، يعرض من خلالها أوراق إدريس بين مزدوجتين، و يتبعها بالنقد و التحليل و التعليق على لسان شعيب و السارد، و بذلك تكون النص من طبقتين سرديتين: (محكي إطار و محكي مؤطَّر) كما هو معلوم.

و لعل طبيعة هذا "التكون" هو ما جعل "أوراق" تتفتح على مسالك متنوعة، حيث يؤدي تداخل بنيتها السردية إلى تداخل بنية جنسها الأدبي، حيث يمتزج فيها "السيري" (سيرة إدريس: إذا اعتبرناه شخصية من لحم و دم و ليس من ورق)، و "السيرذاتي" (سيرة العروي: إذا اعتبرنا أوراق سيرة ذاتية تواكب كتابة واقعية تحيل على الكاتب من خلال شخصية إدريس الوهمية)، و هو امتزاج أو تداخل فرض توظيف تقنيات "روائية جديدة"، و هذا يؤدي بدوره إلى إمكانية اعتبارها رواية تاريخية اجتماعية تمزج بين الواقعي و الوهمي مزجا يكسبها طابعا إخباريا يرصد مسار إدريس الفكري.

و قد أدت هذه الطبيعة الاخبارية التي تكشف عن المراجع الفكرية المساهمة في نمو وعي إدريس إلى تناص مع مجالات فكرية متنوعة، تجمع بين التاريخي و الأدبي و الفلسفي و السنمائي.

بذلك راهنت أوراق على مواثيق قرائية مختلفة، جعلتها تحتل مكانة متميزة في مجال الكتابة السردية المغربية و العربية.


• التلقي Accueil:

"يســمح التلقي الذي يواجهه النص عند صدوره بالحكم على حقيقته و معناه في هذه الفترة، سواء كانت بعيدة أو قريبة، أو على الأقل، الحكم على الدلالات التي يعترف بها معاصروه، و التي ينقلبون فيصفقون لها أو يرقضونها.

يـوضح "التلقي" أيضا دور الأجناس و الأشكال التي يكشفها النص، و مدى تطابقها مع آفاق انتظار الجمهور أو المتلقي.

يسمح أيضا بملاحظة التناقضات بين مختلف التيارات الفكرية، و كيفية اندماج النص فيها. كذلك تخبرنا ظروف و آثار هذا التلقي عن المجتمع الذي يتخذ النص مكانته فيه، و عن ثقافته.

موضعة النص في التاريخ معناه أيضا التخطيط لمستقبله عندما يتعلق الأمر بالنصوص المنتمية للماضي، نتساءل أولا عن استمراريتها: كل النصوص التي ما زالت تقرأ تضمن استمرارية بطريقة معينة. لكن يمكن أن تكون هذه الاستمرارية غير مستقرة: فقد تتتابع فترات من النسيان و الإهمال، و فترات من التألق و النجاح.

... موازاة مع هذه الاستمرارية، يجب أخذ تعاقبية النص Postériorité بالاعتبار، لأنها تطابق المكانة التي اتخذها في المناصات 63 les Intertextes" الملخصة لتأثيراته في كتابات أخرى.

فكيف كانت طبيعة الاستقبال و التلقي الذي عرفته "أوراق" أثناء صدورها؟

لقد سبقت الإشارة في محور "التكون" إلى المكانة المتميزة التي احتلتها في مسار الكتابات السردية الحديثة، و لعل ذلك لم يترك القارئ محايدا تجاهها، يتجلى ذلك على الأقل في تساؤلاته حول طبيعة جنسها الأدبي و مدى إمكانية مقاربته و التجاوب معه.

و معلوم أن عبد الله العروي قد راهن على الشكل في "أوراق"، أكثر من مراهنته على المضمون، و اختار لعمله قالبا متداخلا اعتبره مناسبا للتعبير عن مجتمع يطبعه وضع خاص، و قد توسع بصفة عامة في شرح أنماط التعبير السردي في كتابه الإيديولوجيا العربية المعاصرة، و بالضبط في فصله الأخير بعنوان (العرب و التعبير عن الذات') حيث تعرض بالتحليل لمجموعة من الأشكال التعبيرية العربية القديمة و الحديثة.

هذه الاهتمامات السردية عند العروي كانت دافعا لظهور دراسات و أبحاث تناولت فكره و إبداعه.

و في هذا السياق، ظهرت بمجرد صدور "أوراق" سنة 1989 عدة مقالات نقدية، حاولت تحليل و تفسير مضمونها، و قد كان القاسم المشترك بين أغلبها هو التساؤل عن طبيعتها و جنسها و مكانتها في مسيرة الرواية المغربية64 .

و يمكن اعتبار إدراج "أوراق" في مقرر السنة الثالثة إدبي تألقا جديدا لها، تمثله شريحة جديدة من القراء، لها مواصفاتها و أهدافها الخاصة من القراءة.

إنها فئة التلاميذ التي تواجه "صعوبة" أوراق و تحاول "القراءة الديداكتيكية" تسهيل "المأمورية" أمامها، لكن هؤلاء يظلون موزعين بين القراءة الهادفة لتجاوز شبح الامتحان، و القراءة الهادفة إلى إنماء التذوق و المتعة و الاستيعاب، خصوصا وسط ظروف تدريس مادة المــؤلفات، و مـا تعرفه من صعوبات أهمها تقليص مدتها الزمنية و تقليص معاملها في الامتحان، إضافة إلى تراكم المواد المقررة الأخرى و تضارب التوجيهات حولها...

فهل يسمح كل هذا لتحقيق تعامل إيجابي متكامل و محقق للأهداف المتوخاة، كي يتبلور جيل جديد، يكون نظرة تقويمية جديدة، لآثار أدبية تعكس نظرة جيل سابق؟!!



جـ. الدلالات الاجتماعية و التاريخية Les Significations Socio-historiques


تتحدد الطريقة التي تنتظم بها الأحداث في أية رواية عن طريق رهاناتها، فهذه الأخيرة هي التي توجه حبكة الرواية لكونها تبحث دائما عن أثر تخلفه لدى المتلقي17 .

فما رهانات "أوراق"؟

إن تعدد المحكيات في "أوراق" عبد الله العروي يؤدي إلى تعدد رهاناتها.

فالمحكي المؤطِّر (محكي شعيب و السارد) يؤكد على المستوى الظاهري رهانا واضحا تجلى في العمل على إخراج الأوراق إلى الوجود، خوفا عليها من الضياع، و خوفا على صاحبها من أن يطمس ذكره بعد موته، بذلك قدم شعيب الأوراق إلى السارد، و تعاونا فيما بينهما لتحقيق رهان ترتيبها و شرحها و تقويمها و توضيح ما غمض فيها، ليعطيا - مـن خـلال حـوارهما - معنى لحياة إدريس و إخـفاقـاته و مـوته، و قد اعتبرا ذلك كله انتصارا جعلاه "احتفالا" باربعينيته، يكشفان فيه حقيقة بعض أموره الغامضة، و يستحضران الأيام و التجارب التي كانت تجمعهما معه.

هكذا يحاولان تلخيص رهانهما في فصل "التـأبين" فيقابلان استنتـاجـهما و تقويمهما لإدريس و يتفقان على أنه كان ضحية مبادئه، و إيمانه بقيمه فـ "رفـض أن ينغمس في المسيرة، أن يتيه بين المراحل و المنازل"18 بذلك انساق وراء وعيه بالأشياء و خلفياتها، و لم يستطع حسه المرهف أن يصمد أمام ما وعى، فسقط ضحيته، لكن هذا السقوط لم يكن عبثا في نظر شعيب، بل شهادة "انتصر (بها) من هو أعلى من ذاته في ذاته."19 و تحول الإخفاق إلى نصر.

ذاك رهان "الحاشية"، أما رهان "المتن" أو المحكي المؤطَّر (محكي إدريس)، فيتجلى من خــلال الأوراق التي جــعلها صاحبها (إدريس) ملجأ من الهــزائم و الإخفاقات: سواء على مستوى التاريخ أو على مستوى الوجدان: لقد فشل في التأقلم مع واقع الاستقلال الذي لم يحقق الحلم المنشود، و الطموحات المعقودة، بل ساهم في خلق إحباطات نفسية ولدتها رواسب استعمارية لم ينقطع دابرها. و فشل في خلق انسجام متوازن مع المرأة، فخاطبها من خلال فكره دون وجدانه، و كأن نضج الأول لديه كان دون نضج الثاني، فوقع التناقض، و حصل الانفصال، و عاش إدريس نتيجة ذلك خواءً عاطفيا حاول أن يملأه عن طريق رسائل استوعبت مشاعره دون أن تتوصل بها صاحباتها.

من هنا يحس إدريس بالانفصال عن ذاته، فيحاول البحث عنها عن طريق الأوراق و ما تتضمنه من آرائه و مواقفه و أحاسيسه و مشاعره، فمثلت لديه النغمة المفقودة التي افتقدها في الواقع، و حاول تحقيقها عن طريق التحامه بما خطه قلمه، أراد أن يعرف ليخفف عن نفسه معاناتها و أثقالها، فهل حقق إدريس رهانه عن طريق ذلك؟ ألم تكن الحقائق التي اكتشفها في أوراقه ضربة قاضية لم يستطع تحملها، فذهب ضحيتها، متجرعا مرارته و حسرته، و بذلك "لم يكن في مستوى طموحه، كما لم يكن مجتمعه في مستوى آماله. مات كما مات غيره من العجز و الحسرة"20 .

و يبقى رهان النص، و ما حاول الكاتب تبليغه من خلاله، لقد أكد عبد الله العروي أن "أوراق" سيرة متفجرة من الداخل، تعكس كثيرا من ذاته، فالكاتب يلتقي مع إدريس في نقط متعددة، و قد سبقت الإشارة إلى هذا في القراءة التوجيهية، فماذا أراد أن يقول من خلاله؟ قد يكون الكشف عن الجوانب الخلفية من تاريخ المغرب أحد رهانات النص، فنواجه خيبة الأمل التي شعر بها الكثير في مرحلة الاستقلال، و التي كانوا يعتبرونها مرحلة تمثل صفحة جديدة تندثر فيها مخلفات الماضي، فإذا بهذه تظل تركة تواكب المرحلة بكل آلياتها.

و قد يكون إدريس رمزا للمثقف المحبط - و هذا رهان آخر - يعكس بحضوره صورة البطل المأساوي انفصل عن طموحاته، فكان موته رمزا لموت تاريخي، بل موت مجتمع بأكمله كما يؤكد عبد الله العروي نفسه عندما يتحدث عن طغيان تيمة الموت في أعماله، فيوضح أن "الموت ليس بالمعنى العادي، بل الموت التاريخي ليس موت الأشخاص، بل موت المجتمع.."21

و يمكن إضافة رهان أخير، يتجلى في رهان الكتابة و أنماطها، و هذا ما تطرحه أسئلة الفقرة التي ذيل بها الكاتب ظهر الغلاف: "عاش إدريس.. ثم مات.. تاركا أوراقه مبعثرة. هل مات بسذاجته؟ بتردده؟ بإيمانه؟ أسئلة يطرحها شعيب صديقه الوفي، و يحاول الراوي أن يجيب عنها من خلال ترتيبه و تأويله للصحائف الإدريسية. أين الحقيقة؟ في أقوال إدريس؟ في تصوراته و تطلعاته؟ في تصرفاته؟ في واقعه كما بدا لغيره؟ محاولة ربما يائسة لرصد سيرة فرد، و تربية جيل. محاولة ربما يائسة للتخلص من أنماط التعبير، و العودة إلى معاينة الأشياء."

إن محاولة التخلص من أنماط التعبير - حتى و لو كانت يائسة - معناها محاولة إحداث انفصال مع موروث لم يعد قادرا على مسايرة واقع معاين، و لعل هذا يحيلنا على رهان على مستوى عميق، يحاول الكاتب النهوض به، إنه رهان "الكتابة" الملائمة كما أشرنا، القادرة على التبليغ، جاء في "أوراق" : "إن المرء يستطيع دائما أن يستمر في تأليف روايات على نمط بلزاك، كما يستطيع أن يكتب بمساعدة القواميس ملحمة بالأكاديمية، لكن لأي قارئ؟ و بأي هدف سوى المحافظة على كنز لغوي موروث؟"22

أفلا يحق لنا أن نتساءل عن نمط و جنس الكتابة في "أوراق"؟ و هو الكتاب الذي يثير نقاشا حول امتزاج الأجناس الفنية (سيرية، و سيرذاتية، و روائية!).

إنه نقاش يعطي مشروعية اعتبار الكتابة الفنية عند عبد الله العروي بحثا عن هيكل يقع خارج دائرة التقليد، و يبتعد عن استعادة الأنماط الجاهزة و الاشتغال من داخلها.

في هذا السياق، يكشف الرهان في أوراق عن حرص العروي على تحقيق حلمه في كتابة جنس سردي شامل: موضوعي و ذاتي في آن واحد، يمتزج فيه الاجتماعي و السياسي و التاريخي و النقدي الأدبي بالذاتي و الباطني الذي يمتح من الطفولة و التربية و العلاقات العائلية و الإنسانية عامة.

و لعل صعوبة / استحالة تحقيق الصدق الكامل في فن السيرة التقليدي، هو ما حذا بالعروي إلى الحذر و الاحتياط، و تجنب الشروح و التأويلات فلا يصرح باسمه مباشرة، بل يختفي وراء شخصية إدريس، و يحقق "رهانه" عن طريقه.

جـ. الدلالات الاجتماعية و التاريخية Les Significations Socio-historiques


يعكس النص إذن مرحلة تاريخية حاسمة، ارتبطت بالمجتمع المغربي، و هي التي جمعت بين زمن الاستعمار و زمن الاستقلال.

و لعل الأوراق قد كشفت عن رؤى و مواقف مختلفة تجاه هذا الواقع، منها ما هو صادق و منها ما هو انتهازي مداهن.

و تأتي "أوراق" لتحدد موقفها كنص سردي أدبي من خلال شخصية إدريس الذي يتوارى خلفه السارد أو الكاتب (العروي) المؤلف و المؤرخ و المفكر، و الذي عرف بكتاباته التاريخية و الفكرية عن الإيديولوجيا العربية المعاصرة، و الصراع العربي في خضم ذلك.

لا غرابة إذن أن تهتم "أوراق" بجوانب ثقافية فكرية من هذا القبيل، تعكس ما يتفرع عن هذه الاهتمامات من شؤون سياسية وطنية، فضل المؤلف عدم مناقشتها مباشرة عن طريق خطابه الفكري، بل توسل بالكتابة الإبداعية السير ذاتية القابلة للتمدد عبر العناصر التخييلية التي ترفضها الكتابات المباشرة. و بذلك يكون العروي أكثر استقلالية و شعورا بالحرية في التطرق إلى قضايا لها دقتها و حساسيتها، و قد أوضح ذلك في استجواب له مع الأستاذ م. بنيس بمجلة الكرمل (عدد 11/1984) مؤكدا: "الحقيقة أنني أردت أن أكتب الرواية قبل أن أكون مؤرخا.. جاءت الظروف و دفعتني إلى كتابة التاريخ، أو النقد الإيديولوجي، لكن الواقع الأصلي منذ البداية كان هو الميل إلى الكتابة الروائية.. هناك مظاهر أخرى في الحياة لا تخضع لقوانين العقل.. لأنها إحساسات".

لقد شخص إدريس الفئة المثقفة المضعضعة و المثقلة بهموم الواقع، رفض الفكر الخرافي و الفوارق الطبقية و الانتهازية، و التسابق إلى اغتنام الفرص في واقع لا يستجيب للطموحات و التطلعات المخلصة، إنه واقع يعكس علاقة المثقف بالمجتمع الذي أنتج "أزمته" و هو الموضوع الذي حلله العروي بدقة في كتابه "أزمة المثقفين العرب"65 ، ثم إن "إدريس" هو "العروي" الذي يقف من الواقع الوطني مأزوما عبر "أوراق".

لكن التساؤل هنا، هو لماذا الكتابة عن فترة ماضية حددها الكتاب من خلال انطباعات/مواقف إدريس؟

على كل، فالعودة هنا إلى هذا الماضي ليست من قبيل الانبهار كما ألفنا في كثير من الكتابات السردية التي تمتح من هذه الفترة، و إنما هي عودة من أجل النبش في حقائق التاريخ، و إعادة النظر في بعض المواقف و القضايا السياسية و الاجتماعية، خصوصا المظاهر المسكوت عنها في تاريخ المغرب المعاصر، و التي ما زالت أغشية الإيديولوجيات تغلفها..

و من خلال ذلك، تكشف "أوراق" عن كاتب "متأزم" من تلك المرحلة، إنه المثقف الذي وعي الأشياء.. و تحمل مرارة حصيلتها.. فلم يقف منها موقفا محايدا، بل حدد موقفه تجاهها بالانتقاد الذي يعري فهمنا للتاريخ تعرية تفضح بعض الفئات الاجتماعية التي تضاربت مواقفها الإيديولوجية: فأشار إلى فئة الطلبة الوطنيين الملتزمين، مقابل صراعها مع من نعتهم إدريس بالانتهازيين الذين عارضوا الحلول الوطنية التي لا تخدم مصالحهم الفردية، فتخلفوا عن الركب، و انتقدوا القيادات الحزبية الوطنية.

لكنهم لم ينسوا - بعد بزوغ الاستقلال الذي نبذوه - أن يسرعوا بالعودة إلى الوطن، ويحتلوا المناصب التي تركها الأجانب، و يجمعوا الأموال تحت شعارات براقة تدعي التنمية و التطوير، و هكذا مثلوا طبقة دافعت عن مصالحها و نابت عن المستعمر في تسيير اقتصاد البلاد في مواجهة دائمة مع طبقة وطنية معارضة، تربط الإصلاح بالقضاء على رواسب ماضي الاحتلال.

ذلك ملـخص لمـوقف الكـاتب الذي توحي "أوراق" بدلالاته الاجتماعية و التاريخية.

و هي مرحلة من مراحل منظور "تحليل البعد الاجتماعي، تحاول أن تكشف كيفية تقديم النص لصورة عن المجتمع و التاريخ، مما يقتضي أن نتعامل معه بوصفه:

- وثيقة تاريخية تكشف عن وقائع اجتماعية و سياسية أو من خطوط تظهر نوعا من الإديولوجية و العقلية..

- رمزا للقيم و المواقف الثقافية، لكاتب، و لوسط، و لمرحلة.

- تنفيذا للقوانين و المواضعات التي يمكن للقارئ المعاصر أن يستمر في قبولها أو يرفضها66 ، و هذا ما حاولنا تجسيده في هذه المرحلة الأخيرة من هذا المنظور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mo7amed1088

mo7amed1088


عدد الرسائل : 33
العمر : 36
المدينة : oujda
تاريخ التسجيل : 26/04/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأحد 29 أبريل - 9:01

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
samra
عضو نشيط
عضو نشيط
samra


عدد الرسائل : 119
العمر : 37
المدينة : salam
تاريخ التسجيل : 29/04/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأربعاء 2 مايو - 13:21

jazaki allah kola khayr
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
missblue4
عضو متميز
عضو متميز
missblue4


عدد الرسائل : 614
العمر : 37
المدينة : agadir
اسم الثانوية : al idrissi-technique
تاريخ التسجيل : 02/05/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالجمعة 4 مايو - 15:12

Thanks a lot
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الإمبراطور
عضو متميز
عضو متميز
الإمبراطور


عدد الرسائل : 1006
العمر : 38
المدينة : وجدة الغالية
اسم الثانوية : ...........
تاريخ التسجيل : 23/05/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالخميس 24 مايو - 8:22

شكرا لك يا أخي الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://alghali.co.cc
nkkin

nkkin


عدد الرسائل : 22
العمر : 36
المدينة : marokko
تاريخ التسجيل : 29/05/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالثلاثاء 29 مايو - 8:29

merci bcp mais touil bzzaf lkhs merci !!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
amany
عضو مجتهد
عضو مجتهد
amany


عدد الرسائل : 72
العمر : 38
المدينة : Ouarzazet
اسم الثانوية : ................................
تاريخ التسجيل : 28/04/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالخميس 31 مايو - 4:46

merci
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
laziz
عضو نشيط
عضو نشيط
laziz


عدد الرسائل : 223
العمر : 38
المدينة : salé
تاريخ التسجيل : 31/05/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالخميس 31 مايو - 5:11

chokran jazil a chokr [img][/img]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
maria112

maria112


عدد الرسائل : 39
العمر : 35
المدينة : maroc
تاريخ التسجيل : 12/05/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالأحد 3 يونيو - 14:09

merci
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
amoul
عضو مجتهد
عضو مجتهد



عدد الرسائل : 53
العمر : 36
المدينة : الرباط
تاريخ التسجيل : 30/05/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالثلاثاء 5 يونيو - 5:14

شكرا بزاااااااااااااااااااااااااااااااااف نرجس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.amrkhaled.net
taynab
عضو مجتهد
عضو مجتهد



عدد الرسائل : 55
العمر : 35
المدينة : tanger
تاريخ التسجيل : 19/06/2007

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالسبت 23 يونيو - 7:39

merci bcp walakin wache kayen chi 7aja mlakhssa hada twil bezaf et merci
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
souminoch




عدد الرسائل : 3
المدينة : agadir
اسم الثانوية : hassan2
تاريخ التسجيل : 17/08/2008

دراسة المؤلفات Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة المؤلفات   دراسة المؤلفات Icon_minitimeالخميس 21 أغسطس - 12:07

wach had lmoalaf li andna had lm
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دراسة المؤلفات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العام :: السنة الثانية باكالوريا :: العربية-
انتقل الى: