الحديث الثاني والعشرون
---------------------------
*عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت إذا صليت المكتوبات , وصمت رمضان وأحللت الحلال , وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ قال " نعم " رواه مسلم .
قال النووي : ومعنى حرمت الحرام : اجتنبته ... ومعنى الحلال : فعلته معتقداً حله .
قال الشيخ رحمه الله :
عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أرأيت " بمعني :أخبرني .
"أرأيت إذا صليت المكتوبات " بمعنى الفرائض , وهي الفرائض الخمس والجمعة .
" وصمت رمضان " وهو الشهر الذي بين شعبان وشوال .
" وأحللت الحلال " أي فعلته معتقداً حله .
" وحرمت الحرام " أي اجتنبته معتقداً تحريمه .
" ولم أزد على ذلك , أأدخل الجنة ؟ قال " نعم " . رواه مسلم .
في هذا الحديث يسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى المكتوبات وصام رمضان وأحل الحلال وحرم الحرام ولم يزد على ذلك شيئاً هل يدخل الجنة ؟ قال " نعم " .
وهذا الحديث لم يذكر فيه الزكاة ولم يذكر فيه الحج , فإما أن يقال : إن ذلك داخلاً في قوله " حرمت الحرام " لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام .
ويمكن أن يقال : أما بالنسبة للحج فربما يكون هذا الحديث قبل فرضه , وأما بالنسبة للزكاة فلعل النبي صلى الله عليه وسلم علم من حال هذا الرجل أنه فقير وليس من أهل الزكاة فخاطبه على قدر حاله .
*في هذا الحديث من الفوائد :
حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم .
*وفيه : أن الغاية من هذه الحياة هي دخول الجنة .
*وفيه أيضا : أهمية الصلوات المكتوبات , وأنها سبب لدخول الجنة مع باقي ما ذكر في الحديث ,
*وفيه أيضا : أهمية الصيام , وفيه وجوب إحلال الحلال وتحريم الحرام , أي أن يفعل الإنسان الحلال معتقداً حله وأن يتجنب الحرام معتقداً تحريمه , ولكن الحلال يخير فيه الإنسان إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله , أما الحرام فلا بد أن يتجنبه ولا بد أن يصطحب هذا اعتقاداً .
تفعل الحلال معتقداً حله , والحرام تجتنبه معتقداً تحريمه .
*ومن فوائد هذا الحديث : أن السؤال معادٌ في الجواب فإن قوله " نعم " يعني تدخل الجنة .
" قال النووي –رحمه الله- ومعنى حرمت الحرام : اجتنبته وينبغي أن يقال : اجتنبته معتقداً تحريمه " والله أعلم .
الحديث الثالث والعشرون
-------------------------
*عن أبي مالك –الحارث بن عاصم- الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقران حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو مُوبقها " رواه مسلم .
قال الشيخ رحمه الله :-
الحديث الثالث والعشرون : عن أبي مالك –الحارث بن عاصم- الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطهور شطر الإيمان " بضم الطاء يعني الطهارة .
شطر الإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي , أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك , لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى ( )[التوبة28] .
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان , وقيل : " إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان , لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور" ... لكن المعنى الأول أحسن وأعم .
*وقال : "والحمد لله تملأ الميزان " الحمد لله تعني : وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية تملأ الميزان , أي ميزان الأعمال لأنها عظيمة عند الله عزوجل ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان , سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .
*وقال "سبحان الله والحمد لله " يعني الجمع بينهما " تملأ " أو قال " تملان ما بين السماء والأرض " وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص , وعلى إثبات الكمال لله عزوجل ففي التسبيح تنزيه الله عن كل نقص وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال , فلهذا كانتا تملان ما بين السماء والأرض .
*ثم قال " والصلاة نور " يعني : أن الصلاة نور في القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه , وهي كذلك نور يوم القيامة قال تعالى (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ... )[الحديد12].
وهي أيضاً نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كل ما فيه النور .
*وقال : " والصدقة برهان " أي دليل على صدق صاحبها , وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس ولا يصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حباً وكل إنسان يبذل المحبوب من أجل الثواب المرتجى وهو برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه.
*قال " والصبر ضياء " الصبر أقسامه ثلاثة : صبر على طاعة الله , وصبر على معصية الله , وصبر على أقدار الله .
*وقال " ضياء " نوراً مع حرارة كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا )[يونس5].
والشمس فيها النور والحرارة , والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار .
*وقال أيضا " والقران حجة لك أو عليك " والقران حجة لك , أي عند الله عزوجل أو حجة عليك ...
فإن عملت به كان حجة لك , وإن أعرضت عنه كان حجة عليك , ثم بين الني صلى الله عليه وسلم أن كل الناس يغدون أي يذهبون الصباح إلي أعمالهم .
*وقال " فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم , فمنهم من يعتق نفسه ومنم من يوبقها أي يهلكها بحسب عمله فإن عمل بطاعة الله واستقام على شريعته فقد اعتق نفسه أي حررها من رق الشيطان
*ففي الحديث فوائد :
1-الحث على الطهور وبيان منزلته من الدين , وأنه شطر الإيمان .
2-الحث على حمد الله وتسبيحه , وأن ذلك يملأ الميزان وأن الجمع بين التسبيح والحمد يملأ ما بين السماء والأرض .
3-الحث على الصلاة , وأنها نور يتفرع على هذه الفائدة أنها تفتح للإنسان باب العلم والفقه .
4-الحث على الصدقة , وبيان أنها برها ودليل عل صدق إيمان صاحبها .
5-الحث على الصبر وأنه ضياء وأنه يحصل منه مشقة على الإنسان كما تحصل المشقة بالحرارة .
6-أن القران حجة للإنسان أو عليه , وليس هناك واسطة بحيث لا يكون حجة للإنسان أو حجة عليه , بل إما كذا وإما كذا , فنسأل الله أن يجعله حجة لنا نافعاً لنا .
*ومن فوائد الحديث : أن كل الناس لا بد أن يعملوا لقوله " كل الناس يغدو " وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أصدق الأسماء حارث وهمام " لأن كل إنسان حارث وهمام .
*ومن فوائد الحديث : أن العامل إما أن يعتق نفسه وإما أن يوبقها , فإن عمل بطاعة الله واجتنب معصيته فقد أعتق نفسه وحررها من رق الشيطان وإن كان الأمر بالعكس فقد أوبقها . أي أهلكها .
*ومن فوائد الحديث : أن الحرية حقيقة هي : القيام بطاعة الله وليست إطلاق الإنسان نفسه ليعمل كل شيء أراده , قال ابن القيم رحمه الله في النونية :
هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلو برق النفس والشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله , فإنه سيبقى في رق الشيطان ويكون عابدا للشيطان .
الحديث الرابع والعشرون
--------------------------
*عن أي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزوجل أنه قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي , وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا , يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم , يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم , يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم , يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم , يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي , لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر , يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " رواه مسلم
*شرح الحديث :
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم واله وسلم فيما يرويه عن ربه عزوجل وهذا الحديث وأشباهه يسمى الحديث القدسي , لأنه يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عزوجل قال " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما " فبين الله عزوجل في هذا الحديث أنه حرم الظلم على نفسه فلا يظلم أحداً لا بزيادة سيئة ولا بنقص حسنة كما قال تعالى ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا )[طه112] .
" وجعلته بينكم محرماً " أي جعلت الظلم بينكم محرماً , فيحرم عليكم أن يظلم بعضكم بعضاً , ولهذا قال " فلا تظالموا " والفاء للتفريع على ما سبق " يا عبادي , كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم " العباد كلهم ضال في العلم وفي العمل إلا من هداه الله عزوجل وإذا كان الأمر كذلك فالواجب طلب الهداية من الله , ولهذا قال " فاستهدوني أهدكم " أي اطلبوا مني أهدكم , والهداية هنا تشمل هداية العلم وهداية التوفيق , " يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم " , وهذه كالتي قبلها بين سبحانه وتعالى أن العباد كلهم جياع إلا من أطعمه الله ثم يطلب من عباده أن يستطعموه ليطعمهم وذلك لأن الذي يخرج الزرع ويدر الضرع هو سبحانه وتعالى كما قال سبحانه وتعالى ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ )[الواقعة63-64-65] ... ثم المال الذي يحصل به الحرث هو لله عزوجل .
" يا عبادي كلكم عار " أي قد بدت عورته إلا كساه الله ويسر له الكسوة , ولهذا قال " إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم " اطلبوا مني الكسوة أكسكم , لأن كسوة بني ادم مما أخرجه الله تعالى من الأرض , ولو شاء الله تعالى لم يتيسر ذلك .
" يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم " وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون " فالنس يخطئون ليلاً ونهاراً أي يرتكبون الخطأ وهو مخالفة أمر الله وسروله بفعل المحذور أو ترك المأمور , ولكن هذا الخطأ , له دواء – ولله الحمد – وهو قوله " فاستغفروني أغفر لكم " أي اطلبوا مغفرتي أغفر لكم , والمغفرة : ستر الذنب مع التجاوز عنه .
" يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي " لأن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين ولو كفر كل أهل الأرض فلن يضروا الله شيئاً , ولو آمن كل أهل الأرض لن ينفعوا الله شيئاً , لأنه غني بذاته عن جميع مخلوقاته .
" يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا " لأن طاعة الطائع إنما تنفع الطائع نفسه أما الله عزوجل فلا ينتفع بها لأنه غني عنها , فلو كان الناس كلهم على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك ملك الله شيئاً .
" يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً " وذلك لأن الله غني عنا , فلو كان الناس والجن على أفجر قلب رجل ما نقص ذلك من ملك الله شيئاً .
" يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " وذلك لكمال جوده وكرمه وسعة ما عنده , فإنه لو أعطى كل إنسان مسألته لم ينقصه شيئاً , وقوله " إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر " وهذا من باب تأكيد عدم النقص , لأنه من المعلوم أن المخيط إذا دخل في البحر ثم نزع منه فإنه لا ينقص البحر شيئاً لأن البلل الذي لحق هذا المخيط ليس بشيء .
" يا عبادي إنما أعمالكم أحصيها لكم " أي أعدها لكم وتكتب على الإنسان " ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " ومع هذا فإنه سبحانه يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح فيما دون الشرك والله أعلم
وهذا حديث عظيم حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى أنه قال " إني حرمت الظلم على نفسي " ... وقد شرحه شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة جيدة كما شرحه ابن رجب ضمن الأحاديث الأربعين النووية .
*وفيه من الفوائد :
رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وهو ما يسميه أهل العلم بالحديث القدسي .
*ومن فوائده : أن الله عزوجل حرم الظلم عل نفسه لكمال عدله جلا وعلا , فهو قادر على أن يظلم , قادر على أن يبخس المحسن من حسناته وأن يضيف إلى المسيء أكثر من سيئاته ولكنه لكمال عدله حرم ذلك على نفسه جل وعلا .
*ومن فوائده : أن الظلم بيننا محرم وقد بين الرسول صلى الله غليه وسلم أنه يكون في الدماء والأموال والأعراض قال عليه الصلاة والسلام في مِنى يوم العيد " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام محرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " .
*ومن فوائد هذا الحديث : أن الأصل في الإنسان الضلال والجهل بقوله تعالى ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ..... )[النحل78] ... وقوله في هذا الحديث " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم " . والأصل فيه أيضاً الغي والظلم .
*ومن فوائده : وجوب طلب الهداية من الله لقوله تعالى في الحديث " استهدوني أهدكم " .
*ومن فوائد الحديث : أن الإنسان بل كل العباد جائعون مضطرون إلى الطعام إلا من أطعمه الله عزوجل , ويترتب على هذه الفائدة سؤال الإنسان ربه واستغناؤه بسؤال الله عن سؤال عباد الله , ولهذا قال " فاستطعموني أطعمكم " .
*ومن فوائد هذا الحديث : أن العباد عراة إلا من كساه الله عزوجل ويسر له الكسوة وسهلها له , ولهذا قال " فاستكسوني أكسكم " أي اطلبوا مني الكسوة أكسيكم , وإنما ذكر الله عزوجل العري بعد ذكر الطعام , لأن الطعام كسوة الداخل واللباس كسوة الظاهر .
*ومن فوائد هذا الحديث : أن بني ادم خطاء يخطءون كثيراً في الليل والنهار , ولكن هذا الخطأ يقابله مفغرة الله عزوجل لكل ذنب , وأن الله يغفر الذنوب جميعاً كما قال تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ... )[الزمر53] ... ويترتب على هذا أن الإنسان يعرف قدر نفسه , فكلما أخطأ استغفر الله عزوجل .
*ومن فوائد هذا الحديث : أن الذنوب مهما كثرت فإن الله تعالى يغفرها إذا استغفر الله الإنسان ربه , لقوله تعالى في الحديث القدسي " وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم " وقوله " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " وذلك لأن الله سبحانه وتعالى مستغن عن جميع خلقه , ومن أسمائه العزيز وهو الذي عز أن يناله ضرر , وكذلك هو الغني الحميد فلا حاجة إلى أن يسعى أحد لنفعه ولن يبلغ أحد ضرره لكمال غناه جل وعلا .
" يا عبادي , لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً " وذلك لكمال غناه عزوجل فلو كان الناس كلهم من إنس وجن على أتقى قلب رجل فأن ذلك لا يزيد من ملك الله شيئلً .
" يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً " وذلك لكمال غناه فلا تنفعه طاعة الطئعين , ولا تضره معصية العاصين والمقصود من هاتين الجملتين : الحث على طاعة الله عزوجل والبعد عن معصيته .
" يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " وذلك لكمال غناه جل وعلا وسعته , فيستفاد من هذه الجملة : ن الله سبحانه وتعالى واسع الغنى والكرم وقوله " إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " سبق لنا أن المقصود بذلك المبالغة في أن ذلك لا ينقص من الله شيئاً .
وقوله " يا عبادي إنما أعمالكم ...الخ " فيستفاد منها الحث على العمل الصالح حتى يجد الإنسان الخير .
*ون فوائده أيضاً : أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً .
*ومن فوائده : أن العاصي سوف يلوم نفسه إذا كان في وقت لا ينفعه اللوم ولا الندم لقوله " ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "