وش جاب الوينرار للكلام لكم كنت أفرح عندما أخرج من آخر مادة في كل امتحان. أتنفس الصعداء وكأنني تخلصت من حمل ثقيل كان على ظهري. لكن أبغض شيء إليّ أن يلتقيني أحد الزملاء أو الزميلات ويسألني «أشنو درتي في التمرين الفلاني..؟»
لم أكن أجيب. وما الداعي لأن أجيب وأنا أعلم بأن السائل سيصفعني بالقول بأن إجابتي خاطئة، قبل أن يعقب ويحكم عليّ بأنني «قَـفَّـرتُها».
أكره أن يسألني أحد مثل هذا السؤال. خاصة وأن هناك من ليس همه سوى أن يصيب الانسان بالتيئيس ويفقده كل أمل في النجاح. هكذا تعلمت ألا أراجع أجوبتي السابقة، ولا أحاول حتى أن أكتشف أخطائي أو أناقشها مع أي كان، تجنبا لـ«الفقسة»، على الأقل في الأيام الأولى التي تلي الامتحان.
رأيت بعض التلاميذ يذهبون أبعد مني في ذلك، إذ يتخلصون من كل شيء يذكرهم بالامتحان. يتخلصون من كتبهم ودفاترهم: بعضهم يرمي بها في سلة القمامة، والبعض يمزقها أمام باب الثانوية، أما الأغلبية فكانوا يبيعونها لأصحاب الدكاكين وبائعي الزريعة...
إنما على الأقل في ذلك الوقت كان التلاميذ والطلبة يعولون على أنفسهم ولم تكن الامتحانات تُسرّب مثلما حدث الأسبوع الماضي. فقد بادر «فاعلي الخير» إلى قرصنة امتحانات الباك وتوزيعها على أصحابهم، ومنهم من سارع إلى السمسرة في الوثائق المسربة وبيعها في الدروب والأزقة بأثمنة وصلت ألف درهم للمادة الواحدة. وآخرون «كمّلوا على خيرهم» فنشروها على مواقع ومتنديات إلكترونية عديدة.. فكان هناك من أنجز تمارين الماط والصيونص والفلسفة واللغة الإنجليزية التي ستطرح عليه في الامتحان قبل موعدها بـ24 ساعة!
أذكر أن أول شيء أفعله رفقة بعض الزملاء بعد خروجنا مباشرة من آخر مادة في الامتحان، هو أن نتوجه نحو فضاء طبيعي نُرفّه فيه على أنفسنا بعيدا عن رائحة «القراية». بعضنا –غفر الله له- يستخدم مع نفسه شيء من «تحراميات». فمنا من كان يتقرب إلى الله قبل الامتحان وأثناءه ويدعوه بأن يُعينه ويسدّد خُطاه ويسهل عليه الأسئلة ويجعله من الأولين.. ومنا من كان يطلق لحيته ويظهر التقوى والورع ويلازم المساجد ويؤدي الصلوات في أوقاتها ويكثر من النوافل ويصوم ويتصدق على الفقراء.. لكنه بعد الامتحان ينسى كل ذلك ويتراجع ويخاصم المساجد ويقبل على اللهو والمرح.. تماما كذاك الذي صلى وصام لأمر كان يطلبه، فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صام.
لم تكن الفرحة تكتمل. كل ذلك الضحك والمرح نتصنعه فقط لننسى أمر الامتحان، لكن سرعان ما نتذكر أن غدا أو بعده سيعلق «الطابلو» وحينها سـ«يُـفْرَشُ» كل شيء ويظهر كل منا على حقيقته. كنا طوال تلك الفترة نتفاءل بأننا سننجح إن شاء الله. وما الداعي إلى الخوف من الفشل؟ فليس الرسوب في الامتحان نهاية الدنيا، والذي يُكتب عليه أن يكرر السنة ليس فاشلا ولا مجرما.
صعب جدا ذلك اليوم، يوم الإعلان عن النتائج. كنا نرابض أما باب الثانوية قبل أن تُعلق سبورة النتائج. من الزملاء من يقطع إجازته ليحضر ذلك اليوم. وكان بيننا من يعلم أنه من الراسبين ومع ذلك يأتي ليتفرج على الآخرين. بعد تعليق النتائج ينتشر الخبر بين التلاميذ بسرعة فائقة عن طريق البورطابلات.. فتتقاطر السيارات والدراجات على المكان ويتحول تارة إلى ما يشبه عرسا تتخلله ابتهاجات الناجحين وزغاريد الناجحات وهم يتبادلون التهاني ويعانقون بعضهم البعض.. وتارات أخرى يصبح المكان مثل مأتم تسْوَدُّ فيه وتكفَهِرّ وجوه الذين لم يعثروا على «أرقامهم الوطنية» مسجلة على سبورة النتائح، ويسقط بعضهم مغشيا عليه من هول الصدمة، وفي أحسن الأحوال هناك من يذرف دموعه في صمت وينصرف مطأطأ الرأس بخطوات مثثاقلة وفي قلبه من الأسى والحزن ما يجعله يتمنى أن تنشق الأرض وتبلعه...
كان معنا أحد الظرفاء، جاء حاملا معه نصف كيلوغرام من البصل، وجلس فوق جدع شجرة زيتون هناك وظل يرقب سقوط التلاميذ الراسبين مغميا عليهم ليقدم لهم «الإسعافات الأولية» بوضع شرائح البصل على أنوفهم كما دأب على ذلك الجميع في مثل هاته الحالات.
من حسن حظ الجيل الجديد من «الباشوليين» أنهم لم يعودوا في حاجة لقطع إجازاتهم والمجيء إلى أبواب الثانويات ومد رقابهم تحت «الطابلوات» بحثا عن أرقامهم، وأن يتعانقوا بعد ذلك أو يسقطوا مغشيا عليهم... فقد أطلقت بعض أكاديميات التعليم منذ سنتين خدمة تمكن المجتازين لامتحانات الباك من الإطلاع على نتائجهم فقط بواسطة الـsms، وذلك لتفادي الزحامات أمام المؤسسات التعليمية وقت عرض النتائج، بالإضافة إلى تمكين الطلبة من التعرف على نتائجهم عن بعد.
هكذا صار –إذن- باستطاعة كل «باشوليّ» أن يطلع على نتيجته بينه وبين نفسه أينما كان. لكن في حالة ما إذا «سخف» لا قدر الله، فمن يا ترى سيُسعفه بشرائح البصل؟
*-*-* إخواني المستدركين *-*-*
أرجوا عدم فقد الأمل و أتمنى من الله عز و جل أن يساعدكم جميعا